إعداد: إبراهيم باهو عاشت فرنسا في نهاية القرن ال18 فترة مؤثرة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية استمرت نحو عقد من الزمان، أدت إلى كثير من التغييرات الجذرية نتيجة للثورة الفرنسية التي تعتبر من أهم الأحداث التاريخية في العالم. ولعل شرارة اندلاعها حدثت في مثل هذا اليوم من عام 1989، وهي سقوط سجن الباستيل الذي كان يشكل رمزاً للاستبداد الملكي بيد الشعب، ليصبح هذا التاريخ في ما بعد يوماً وطنياً بامتياز، يحتفل به سنوياً إلى يومنا ويعرف بيوم «الباستيل».في صباح يوم 14 يوليو/ تموز عام 1789، عاشت مدينة باريس حالة من الذعر، وكان اقتحم المتظاهرون في وقت سابق «ليزانفاليد» لجمع الأسلحة، وسعوا بشكل أساسي للاستيلاء على الأسلحة والذخائر المخزنة في السجن الذي كان يوجد به أكثر من 13600 كيلوجرام من البارود.وعلى الرغم من أن «الباستيل» كان فارغاً تقريباً من السجناء يوم الاقتحام، ولم يكن هناك سوى 7 أسرى، فإن الهدف كان التخلص من الظلم. احتشدت الجماهير في الخارج في منتصف الصباح مطالبة بإعلان السجن للاستسلام وإزالة البنادق وإخراج الأسلحة والبارود، ودُعي اثنان من ممثلي الجماهير للدخول إلى داخل الحصن، لتبدأ بعدها المفاوضات، وفي الظهيرة سمح لآخر بالدخول حاملاً مطالب محددة.استمرت المفاوضات طويلاً وفي تلك الأثناء كانت أعداد الحشود تتزايد ونفد صبرهم، ليتدفقوا إلى داخل السجن في حوالي الساعة 1.30 ظهراً، نحو الفناء الخارجي غير المحمي، ويقطعوا سلاسل الجسر المتحرك المؤدي إلى الفناء الداخلي، ليبدأ إطلاق النار، لنحو ساعة ونصف الساعة، ودعم المتمردون الحشود، ولم تتدخل قوات الجيش الملكية ذات القوة الكبيرة المعسكرة في ساحة «دي مارس» المجاورة، ومع وجود احتمالية وقوع مجزرة مشتركة بين الطرفين، ظهر محافظ السجن دي لوني فجأة وأمر بإيقاف إطلاق النار في الساعة الخامسة، وتم تسليم رسالة يعرض فيها شروطه للحشود التي حاصرت السجن، عبر فتحة في البوابة الداخلية، وعلى الرغم من رفضهم لطلباته، فإن دي لوني استسلم مدركاً أن قواته لن تقوى على الصمود أكثر من ذلك.يرى المؤرخون أن أسباب الثورة الفرنسية معقدة وما زالت محل جدل، فبعد حرب السنوات السبع وحرب الاستقلال الأمريكية، كانت الحكومة الفرنسية غارقة في الديون وحاولت استعادة وضعها المالي من خلال خطط ضرائب لم تحظ بشعبية بين العامة. كما أن سنوات القحط التي سبقت الثورة أثارت الاستياء الشعبي على الامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين والطبقة الأرستقراطية.صيغت أولى مطالب التغيير في الثورة الفرنسية من خلال الأفكار التنويرية التي ساهمت في انعقاد مؤتمر الجمعية العامة في مايو/ أيار 1789، ومن ثم اقتحام الباريسيين سجن الباستيل في يوليو/ تموز، وتمرير إعلان حقوق الإنسان والمواطن في أغسطس، ومسيرة النساء إلى قصر فرساي التي أجبرت البلاط الملكي على الرجوع إلى باريس في أكتوبر.أهم حدث في المرحلة الأولى من الثورة حصل في أغسطس 1789، إذ ألغي نظام الإقطاع والقواعد والامتيازات القديمة التي خلفها الحكم الأرستقراطي. وخلال السنوات القليلة التالية من الثورة ظهرت صراعات سياسية بين مختلف التجمعات الليبرالية وأنصار الجناح اليميني الموالي للنظام الملكي الذين حاولوا إحباط إصلاحات رئيسية، إلا أنه تم الإعلان عن قيام الجمهورية في سبتمبر/ أيلول 1792 بعد الانتصار الفرنسي في معركة «فالمي»، في حدث تاريخي أدى إلى إدانة دولية، ليعدم بعدها لويس السادس عشر في يناير 1793.
مشاركة :