أميركا ما زالت قائدة العالم؟

  • 7/14/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أميركا ليست هي التي نراها الآن، فهي ليست بالدولة المتجانسة مع القيم العالمية المشتركة. لكن من المرجح أن تقوم المناطق المزدهرة من الولايات المتحدة، والتي تمثل المستقبل، بإعادة تعريف نموذج القيادة العالمية في القرن الحادي والعشرين.ففي السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت اقتصادات أوروبا واليابان في تدهور. غير أن الولايات المتحدة لم تتأثر بالحرب، بل تحسن اقتصادها وزاد إنتاجها في زمن الحرب وثبتت أقدامها بصفتها قوة عظمى. وبلغت المدن الصناعية ذروتها، وازدهرت المصانع، وارتفعت معدلات الإنجاب في الفترة التي عرفت بـ«طفرة المواليد»، ودعمت الحكومة آباءهم في الضواحي بصكوك الرهن العقاري، وبشق طرق جديدة لأماكن سكنهم. ومن هنا بدأنا في التطلع إلى اللحظة التي يخطو فيها أول إنسان على سطح القمر.لكن منذ ذلك التاريخ لم تسر الأمور سيراً حسناً في بعض أنحاء الولايات المتحدة، فيما أعادت أوروبا واليابان بناء اقتصاداتها، وأدى صعود الصين وغيرها من الأسواق الناشئة إلى المنافسة في الوظائف الصناعية الأميركية. وأدت الاستعانة بالمصادر الخارجية وتحسن الإنتاج إلى هجرة العمالة من المصانع الأميركية بالتدريج، وأدى استمرار الهجرات الداخلية جنوباً وغرباً، ناهيك بانخفاض معدلات الخصوبة والإنجاب، إلى تركيز السكان في الشمال الشرقي وفي الغرب الأوسط. ربما جاء انتشار الطرق السريعة عبر أنحاء البلاد نعمةً للاقتصاد الأميركي، لكن صلة الاقتصاد الأميركي انقطعت بأي اقتصادات أخرى بعيدة عن البلاد جغرافيا وعن تلك الطرق. ففي الاقتصادات الراكدة، أدت تبعات المعاشات التقاعدية والبنية التحتية المتهرئة إلى ظهور كثير من التحديات الاجتماعية والسياسية، وجاءت صدمة الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 ضربةً في جسد الاقتصاد لتتسبب في ترنح كثير من الصناعات حتى الآن.بكل تأكيد، تسببت العولمة والديموغرافيا في وجود فئة من الخاسرين الأميركيين، بحسب تعبير ترمب. لكن تلك العوامل أوجدت أيضاً رابحين يمثلون مستقبل الولايات المتحدة، وتعد المناطق ذات معدلات السكان المتزايدة أوفر حظاً.وتتركز غالبية الزيادة السكانية في الولايات الجنوبية والغربية. وفي الوقت الذي أصبح فيه النمو السكاني في مرحلة ما بعد الحرب متجانساً إلى حد ما - حيث استقرت العائلات البيضاء في الضواحي الجديدة - فإن النمو السكاني اليوم بات أكثر تنوعاً وذا صبغة عالمية.ذلك هما الجيلان الأول والثاني من العائلات اللاتينية التي استقرت في مختلف أنحاء جنوب وغرب البلاد، فيما انتقل المهاجرون الآسيويون إلى الساحل الغربي وحول مناطق القطارات الواسعة في الجنوب. وهاجر الأفارقة الأميركيون الذين انتقلوا من المدن المكافحة في الغرب الأوسط مثل شيكاغو، إلى مناطق نابضة بالحياة مثل أتلانتا. واستمرت هجرات البيض من الشمال الشرقي والغرب الأوسط إلى الجنوب والغرب. وحسبما أوضح آدم كارستنس من مؤسسة «بي كيو بيرنتس»، فإن نحو 80 في المائة من النمو السكاني في الولايات المتحدة في الفئة العمرية ما بين 25 عاما و44 عاما في العقد الحالي، تتركز في الجنوب والغرب، والأغلبية العظمى من هؤلاء السكان من غير البيض.ويميل الاتجاه العام للاقتصاد العالمي إلى تلك المناطق من الولايات المتحدة. ولنفكر معاً في الحال خلال العشرين عاماً المقبلة عندما يتولى أبناء الألفية الجديدة إدارة شؤون العالم؛ فالطاقة الشمسية يجب أن تمثل الحصة الكبرى من الطاقة وتتراجع معها أهمية النفط. ويحمل هذا الاتجاه أخباراً سارة لمستهلكي الطاقة، مثل منطقة «صن بيلت» أو «الحزام الشمسي»، لكنه يحمل أخباراً سيئة لمنتجي المواد الهيدروكربونية مثل روسيا والشرق الأوسط. يجب أن يستمر دور التكنولوجيا في الازدياد مع اتجاه شركات الساحل الغربي الأميركي مثل «غوغل» و«آبل» و«فيسبوك» و«أمازون»، إلى تعزيز تلك الاتجاهات أكثر من أي شركة أخرى في العالم؛ فظهور وتطور المركبات ذاتية التحكم ربما يساعد على معالجة التكدس في مناطق قطارات الأنفاق في الجنوب والغرب.ومع استمرار تحول الاقتصاد العالمي من التصنيع إلى تقديم الخدمات، زاد نفوذ الإعلام الأميركي من ناحية المحتوى والثقافة، في مختلف أنحاء العالم. وسواء تمثل ذلك في شركات التكنولوجيا المذكورة، أو في «هوليوود» أو «ديزني» أو منتجي الماركات العالمية مثل «نايك» أو «ستار باكس» أو في الرياضيين أو العازفين مثل لي بورن جيمس أو أريانا غراند، فإننا نستطيع القول إن الولايات المتحدة قد حققت هيمنتها، ولا تزال تتمتع بأكبر أسواق المال وأكثرها عمقاً وشفافية في العالم؛ حيث إن مصارف «وول ستريت» في أفضل الحالات الآن، مقارنة بالعقود الماضية. ومع ازدياد ثراء دول العالم النامي مثل الصين، فقد سعت تلك الدولة أيضاً إلى أن تصبح أكثر تعلماً. وهنا أيضاً، فإن الولايات المتحدة مهيأة للنمو. ويتمثل أحد الأوجه الجديرة بالانتباه في وقت تسعى فيه الصين إلى انتزاع دفة القيادة العالمية من الولايات المتحدة، في أن الصينيين القادرين على الخروج من بلادهم يسعون إلى شراء عقارات في الولايات المتحدة، وإلى إرسال أبنائهم إلى المدارس الأميركية.هنا تبرز قضية الديموغرافيا، فتعداد السكان في أوروبا وروسيا واليابان يتقلص، وعدد سكان الصين في سن العمل ارتفع إلى الذروة بالفعل، ومن المتوقع أن يتراجع بواقع 90 مليوناً بحلول عام 2040. والدولة الوحيدة الكبيرة والقوية في القرن الحادي والعشرين التي تتمتع بمعدل مواليد منطقي والتي تعد وجهة جذب للمهاجرين هي الولايات المتحدة الأميركية.إن مستقبل الولايات المتحدة المعتمد على تنوع مدن مناطق «صن بيلت» مثل لوس أنجليس، مهيأة لقيادة العالم في المستقبل.* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

مشاركة :