خطيب الحرم المكي: "المروءة" منهج الخيرات وجماع المحاسن

  • 7/14/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: أيها المسلمون، إن من أشد الأزمات التي تمرّ بها الأمة المسلمة اليوم أزمة ضعف التمسك بالأخلاق الكريمة والشمائل الرفيعة، والإسلامُ دين أخلاق وسلوك ومعاملة، وقد تَقَرّر أن من أعظم مقاصد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يُتمم مكارم الأخلاق وصالح الآداب، ويُنشئ في الأمة النماذج الأخلاقية الراقية، والمُثُل والآداب السامية التي تكفل الحياة الكريمة والسعادة والعزة للفرد والجماعة. وأضاف: فروع هذه الأخلاق الإسلامية الراقية كثيرة ومتشعبة؛ ولكنها تجتمع في أصول عظيمة وأركان متينة تلتقي في كل الآداب النبوية والأخلاق المصطفوية، وما تعارفت عليه العقول الصحيحة والعادات الحسنة. وأردف: من أعظم هذه الأصول الجامعة المانعة أصلٌ عظيم يجتمع تحته ما تفرق، وينتظم في سلكه ما تَشَعّب؛ ألا وهو المروءة، ومنهج الخيرات، وملتقى الآداب، وعماد الحياة الشريفة الحرة، وجماع المحاسن والكمالات، وأساس الإنسانية وكمال الرجولة.. بها يتفاضل الرجال والنساء، مَن كَمّل نفسه بأخلاق المروءة التي تحبها النفوس الكبار ويهيم بها العظماء والنبلاء، ويرتفع بها العبد في قلوب الناس وإن كان أقل منهم مالاً وجاهاً. وأكد الشيخ "الغامدي" أن الفتى إذا جمع المروءة والتقى مع الأدب الحياء؛ فقد كمل، وتلك فطرة الله التي فطر الناس عليها، على حب المروءة والاتصاف بها ورفعة شأن المتحلين بها {لا تبديل لخلق الله}، فطرة مركوزة في الخليقة البشرية. وتابع بالقول: المروءة هي أصل كل خير وشرف وفلاح، وهي في حقيقتها الناصعة هيئة راسخة ومَلَكَة تحمل صاحبها على الاتصاف بصفات الجمال والنقاء والطهر والعفاف والكرم، والبُعد عن جواذب النفس التي تجذبها للتخلق بأخلاق العلو والفخر من الكبر والحسد والبغي والأذى والفساد، أو الاتصاف بصفات الهوان والضعة من الحرص المذموم والشرَه والطمع والتكالب على الحطام والتوافه. وقال "الغامدي": المروءة خُلُق فاضل كريم وسطٌ بين طرفين، وهي تدعو النفس إلى التخلق بحلية الإنسانية الرفيعة الشريفة، واستعمال كل ما يجمّل العبد ويزيّنه من الأخلاق والآداب وجميل العادات، والبُعد عن كل ما يدنس نفسه ويشينها ويجلب لها اللوم والعتب وإراقة ماء الوجه. وأضاف: المروءة هي خلق النفس الأبية الكريمة، وعنوان الشخصية الشريفة العزيزة التي لا ترضى بالدنس والدناءة، وتأنف من الذل والمهانة، وترتفع عن حياة العبث واللهو والسخف؛ فلذلك ترى صاحب المروءة خفيف النفس حريصاً على أخلاق الكمال والجمال والطهر في ملبسه ومظهره ومدخله ومخرجه، وتراه كذلك مع الناس بجميع شرائحهم يستعمل معهم الأدب والحياء والعفة والكرم والنزاهة والصيانة، وتراه ثالثاً مع ربه سبحانه يستحيي منه أن يراه على معصية، أو يطّلع على قلبه فيرى فيه غيره، أو تكون علانيته خيراً من سريرته. وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام: لقد جمع الله في عدة آيات محكمات خلالاً كثيرة من خلال المروءة كما في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وكما في قوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}، وكما في الآيات الثلاث المتواليات في سورة الأنعام التي اتفقت عليها الشرائع السماوية كلها بداية من قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً} إلى قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله}، وكذلك المناهي التي في سورة الإسراء بداية من قوله: {لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} إلى قوله تعالى: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة} والآيات في هذه المعنى كثيرة. وتابع: أعظم شخصية تَجَلّت فيها خلال المروءة هي شخصية النبي الأعظم؛ فقد كانت حياته كلها قائمة على المروءة ومعالي الأمور وكرائمها مع كل الناس حتى مع أعدائه صلى الله عليه وسلم، وما أندى قوله صلى الله عليه وسلم وأروعه حين قال: (إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها)، وقال أيضاً: (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولّاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وقال "الغامدي": لزم هذه السنن النبوية الرفيعة صحابته الكرام والتابعون لهم، وأورثوا ذلك مَن بعدهم من العلماء والفضلاء والنبلاء الذين كتبوا في ذلك الرسائل والكتب التي تُبَيّن للناس آداب المروءة وخصائصها؛ حتى إنهم جعلوا من أهم صفات راوي الحديث ومَن تُطلب منه الشهادة في الأقضيات أن يكون متحلياً بآداب المروءة مجتنباً خوارقها ومفسداتها. وأضاف: لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التسامح مع أهل المروءات والعفو عن خطئهم وعثرات أقدامهم لمروءتهم ونبلهم؛ فقال: (تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة)، وقال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)؛ فأهل المروءات من الحكام والعلماء والفضلاء وصالحي المسلمين لهم فضلهم ومكانتهم ومنزلتهم، ولا يجوز أن تهدر فضائلهم أو تطمس من مناقبهم لزلة قدم أو كبوة جواد؛ ما ذلك إلا لشرف المروءة وعلو كعبها والتي تحمل صاحبها وترفعه وتزكيه.

مشاركة :