«الواقعية السحرية».. مجد صنعته قصص العرب

  • 7/15/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود هجرات عديدة شد عبرها كثيرٌ من العرب رحالهم في الأرض، وبلغوا نقاطاً قصية في العالم، حملوا قليلاً من المتاع، لكنهم حرصوا على ثقافتهم الأصلية، التي كان لها تأثيرها الكبير في الأماكن التي وصلوا إليها وحطوا رحالهم فيها، فأخذوا منها ونقلوا إليها، وأسهموا في تركيبتها الاجتماعية وتعددها الثقافي، فتشكلت صورة لذلك العربي المهاجر الذي حافظ على قيمه وتقاليده.تحضر في هذا السياق الهجرات الكبيرة التي شهدتها بلاد الشام إلى بلدان أمريكا الجنوبية، وتأثير العرب في الثقافة والحياة الاجتماعية والسياسية في تلك البلدان، وبروز أسماء كبيرة لمعت في كل المجالات، سواء في السياسة أوالفن أوالرياضة، ونلاحظ أن شخصية العربي قد احتلت مكانة كبيرة في المنتوج الأدبي لتلك البلدان، خاصة في الأعمال الروائية للعديد من مؤلفي أمريكا الجنوبية الكبار.يتناول كتاب «صورة العربي في سرديات أمريكا اللاتينية»، للباحث الكوبي «ريجوبيرتو إرنانديث باريديس»، الصادر عن مشروع «كلمة» بترجمة لأحمد عبد اللطيف، تلك الصورة بأوجه متعددة في سرديات تلك البلاد اللاتينية، ويقتفي أثر الهجرات الكبيرة للعرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إبان الخلافة العثمانية، وكان أبرزها هجرات من بلاد الشام في سوريا ولبنان، كما يتناول الكتاب بشكل أساسي تأثير العرب ثقافياً على تلك المجتمعات، وأثرهم في تكون أدب «الواقعية السحرية». وبرغم أن معظم العرب الذين شدوا الرحال إلى تلك البلاد عاشوا في مجتمعات خاصة بهم، إلا أن طريقة عيشهم وثقافتهم انتقلت وتسربت إلى داخل البنية المجتمعية، فكان لها تأثيرها القوي خاصة في مجالات الأدب؛ حيث حمل العرب معهم ذاكرتهم، وقصصهم، وحكاياتهم، التي تحفل بالخيال المبدع، على نحو ما جاء في كثير من الأعمال الأدبية الخالدة، مثل: ألف ليلة وليلة، وقصص المصباح السحري، وبساط الريح.لم يترك المؤلف أثراً في سبيل تكوين صورة العربي إلا وتتبعه، متطرقاً إلى نقطة جديرة بالاهتمام والبحث، وهي نسبته للعرب ذلك الفتح الأدبي الكبير في أمريكا اللاتينية والمتمثل في مدرسة «الواقعية السحرية»، ويبين أن كثيراً من الأدباء من الأصول العربية هم الذين أسسوا لهذا المذهب، غير أنهم لم يشتهروا عبر مؤلفات أدبية وروائية.يورد الكاتب اسم المؤلف الروائي لويس فياض، كواحد من الروائيين الذين نهضت على أيديهم تلك المدرسة، غير أنه ظل طيّ النسيان، ولم يذكر كثيراً شأنه كشأن المؤلفين والأدباء العرب الآخرين، كما يعرض وجهة نظر روائي أمريكا اللاتينية في مسألة تأثرهم بالموروث العربي على مستوى السرد والحكاية، ويستشهد بما ذهب إليه غارسيا ماركيز الذي أكد أنه لولا العرب، ولولا تراثهم المتمثل في «ألف ليلة وليلة»، لما عرفوا شيئاً عن الواقعية السحرية، وهو الموروث الثقافي الذي استند عليه الكتّاب العرب هناك في كتابة رواياتهم وقصصهم التي لم تجد حظاً كبيراً من الرواج، لكنها كانت نقطة البدء لتيار الواقعية السحرية.يطوف الكتاب في مؤلفات وأعمال العديد من الروائيين الكبار الذين كان لهم تأثيرهم القوي، ووصلوا بالواقعية السحرية إلى مكانة كبيرة في الأدب العالمي، وعلى سبيل المقال نجد في أشهر أعمال ماركيز«مئة عام من العزلة»، و«ساعة نحس»، و«ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»، تكثيفاً لحضور العربي عبر شخصيات احتواها السرد، فيهم التاجر، والحلاق، والمثقف، والغامض. وهذا ما نجده أيضاً وبصورة أكثر وضوحاً لدى بورخيس، الذي اعتمد في بناء العديد من سردياته على قصص وحكايات عربية من عمق التراث، كما هي الحال في قصته «المقنّع».وتضح صورة العربي بشكل أكبر في أعمال الروائي البرازيلي جورج أمادو، الذي تضمنت نصوصه السردية حضور العرب كما في: «كيف اكتشف الأتراك أمريكا؟»، و«جابريلا والمسمار والقرفة» و«سان جورجي ابن الهوس» و«السيدة فلور وزوجاها» . كما يتناول الكتاب كذلك حضور العربي في روايات وقصص الروائية التشيلية إيزابيل الليندي، خاصة روايتها «إيفا لونا» التي برزت فيها شخصية رياض الحلبي، وهو شخصية رئيسية في الرواية.يستحق الكتاب ليس الاطلاع عليه فقط، ولكن الاحتفاء به؛ إذ يعيد للعرب مكانتهم في التأثير الأدبي خاصة في مجال الرواية العالمية. ويفتح آفاقاً جديدة في قضايا التأثر والتأثير الثقافي بين الشعوب وما ينتج عنه من إبداعات فذة تخترق حواجز الجغرافيا.

مشاركة :