إذا كان الوردي قد ركز في مشروعه المعرفي على دراسة شخصية الفرد العراقي، قبلنا ما توصل إليه بهذا الشأن أو لم نقبله، فقد خرجت بعد قراءة هذا الكتاب، بفكرة، إن هذه الرسائل يمكن من خلالها قراءة حقيقة شخصية الوردي.العرب حميد سعيد [نُشر في 2017/07/15، العدد: 10692، ص(16)] “الرسائل المتبادلة، علي الوردي بين تكساس وبغداد، 1946-1950”، هذا عنوان كتاب جديد، صادر عن دار العرب للنشر والتوزيع، أنجزه الكاتب والصحافي العراقي سلام الشماع، وهو إضافة مهمة إلى ما سبقه من تآليف الشماع عن الوردي، والتي أطلقت عليها من قبل، اسم الموسوعة الوردية. يضم الكتاب بالإضافة إلى مقدمتين، كتب الأولى مؤلف الكتاب، وكتب الثانية الدكتور ابراهيم خليل العلاف، الرسائل المتبادلة بين عالم الاجتماع البارز الدكتور علي الوردي وابن عمه النحات خليل الورد، معظمها موجهة إلى خليل الورد وبعضها إلى آخرين، من عائلة الوردي أو من أصدقائه، وهي الأخرى كانت تصل إلى بغداد على عنوان خليل الورد ويوصلها إلى من كتبت إليهم. لقد بعث الوردي بهذه الرسائل من ولاية تكساس الأميركية، منذ العام 1946 حتى العام 1950، وهي الأعوام التي أكمل فيها دراسته بجامعة تكساس، حيث نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، أي أن هذه الرسائل كتبها خلال وجوده في الولايات المتحدة الأميركية، أو في الطريق إليها، وكذلك في طريق العودة منها إلى بغداد. وإذا كان الفضل يعود إلى سلام الشماع في إخراج هذه الرسائل، من المحيط العائلي إلى فضاء التلقي، فإن الاحتفاظ بها إلى ما يزيد على نصف قرن والحفاظ عليها، يعودان إلى النحات خليل الورد ومن ثم إلى كريمته السيدة رحيق الورد، فقد احتفظت بها وحافظت عليها بعد رحيل والدها، وهي التي سلمت نسخاً مصورةً منها إلى المؤلف، مدركةً أنها قد سلمتها إلى يدٍ أمينة، ولولا هذا الحرص الذي أبداه كل من خليل الورد ورحيق الورد وسلام الشماع، لضاعت هذه الرسائل، مثلما ضاع الكثير من أوراق ورسائل ووثائق وغيرها، تتعلق بمبدعين ومفكرين وشخصيات عامة، لا شك في أن ضياعها يعد خسارة معرفية ووطنية. إن مما لفت نظري في الرسائل المتبادلة، بين الوردي وابن عمه الورد، أو بين تكساس وبغداد، كما أراد لها المؤلف أن تكون، في اختياره عنوان كتابه هذا، لم تكن كما عرفنا الرسائل المتبادلة بين الأدباء والمفكرين والفنانين، في ما تطرحه من قضايا فكرية وما تحتوي عليه من حوارات ووجهات نظر، وكنت أتوقع أن تكون رسائل الوردي هذه من قبيل الرسائل المتبادلة بين الأدباء والمفكرين والفنانين، لكنني وجدتها رسائل جد عملية، ولا تبتعد كثيرا عن المحيط العائلي، فإنْ ابتعدتْ لا تتجاوز مجتمع مدينة الكاظمية، بأحداثها وأشخاصها. وعلى امتداد أعوام الرسائل المتبادلة، تظل اهتمامات الوردي فيها كما هي، يطلب كتاباً أو صحيفة ويسأل عن حوالة مصرفية كان قد بعث بها، ليطمئن على وصولها، ويتابع كل ما له علاقة بمستحقاته المالية، وقد يسأل عن معاملة رسمية بشأن دراسته، أو يتابع متغيرات وزارية وإدارية، فلا تتجاوز هذه المتابعة وزارة المعارف -التربية والتعليم- التي يرتبط بها حاضره ومستقبله، إلا نادراً، أما في الجانب الاجتماعي فلا تتجاوز تحياته أفراد الأسرة الوردية، رجالاً ونساءً، وبعض معارفه وجلهم من مدينة الكاظمية، وقد يخص بها آخرين، غير أنهم على الأغلب من موظفي وزارة المعارف. ولم يتعرض في هذه الرسائل إلى تجربته الحياتية في الولايات المتحدة، بشقيها الجامعي والاجتماعي إلا في إشارات عابرة وعامة، مبتعداً فيها عن التفاصيل التي اتسمت بها كتاباته في ما بعد، وشكلت ملمحاً أساسياً في كل ما كتب. وإذا كان الوردي قد ركز في مشروعه المعرفي على دراسة شخصية الفرد العراقي، قبلنا ما توصل إليه بهذا الشأن أو لم نقبله، فقد خرجت بعد قراءة هذا الكتاب، بفكرة، إن هذه الرسائل يمكن من خلالها قراءة حقيقة شخصية الوردي، أو لنقل شخصيته الحقيقية، لذا أتمنى قيام أحد الباحثين المختصين، بهذه القراءة. وهذا مجرد مقترح. كاتب عراقيحميد سعيد
مشاركة :