الدم... كيس واحد ينقذ حياة أربعة أشخاص!

  • 6/27/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أم عبير سيدة فاضله تعاني من داء الرتوج بقولونها والذي ينزف بشكل متقطع منذ 10 سنوات. فقد تعبت من هذا الداء ومن شعورها المستمر بالتعب والإعياء وملازمتها أدوية فقر الدم التي لم تكن لها معيناً أبداً على مرضها بل زادت الطينة بلة. جاءتني مستنجدة ومستغيثة بالله أولا وبما منحني به الخالق من علم ومعرفة بهذا العضال أن أجد له حلاً وبأن أخلصها منه ما أمكن. بعدما انتهيت من فحصها وبعد الاطلاع على نتائج تحاليلها وتقارير أشعتها وبناءً على ما رأيته في المنظار الذي أجريته لها، أخبرتها أنها تعاني من رتوج في القولون وأنها يجب أن تخضع لعملية استئصال كي تتخلص منه وتنهي معاناتها وأنها قد تحتاج لعملية نقل دم اثناء او بعد العملية الجراحية. لم تبد أم عبير أي اعتراض على العملية الجراحية ولكن وجهها تجهم، فقطبت حاجبيها ولوت شفتيها معترضة على عملية نقل الدم وقالت لي متهكمةً – لا شكرا -لا أريد منكم أن تفاجئوني ب أيباد – بعد العملية. تبسمت في وجهها وقلت لها يبدو أن صورة الطفلة ريهام لم تغب عن مخيلتك، بل إنني متأكد أن هناك الكثير من الأسئلة وأهمها هل لا بد لي من أخذ الدم وهل هناك بديل له – دم صناعي مثلا؟! ........... هل تفكر بنفس الشيء عزيزي القارئ؟!! الدم هو سائل لزج معتم (داكن اللون) يملأ الأوعية الدموية ويندفع إلى جميع أجزاء الجسم بفضل انقباض عضلة القلب. يتكون الدم من خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والبلازما والصفائح الدموية. يشكل الدم 8% من كتلة الجسم. فإذا كانت كتلة شخص ما 70 كجم مثلا فإن 5.6 كجم منها دم. يمكن لكيس الدم الواحد أن ينقذ حياة أربعة أشخاص عند فصل مكوناته، كما يحقق استغناء الوطن عن الحاجة إلى الدم المستورد، والإسهام في عمل خيري نبيل لتلبية حاجة المريض وإنقاذ حياته، بإذن الله. فلهذا السائل اللزج وظائف حيوية عدة فهو مهم جدا في عملية التنفس كما يعلم الجميع: يحمل الدم الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة وكذلك ثاني أكسيد الكربون المتولد من نشاط الأنسجة إلى الرئتين في هواء الزفير. كما يحمل المواد الغذائية الأولية التي تمتصها الأمعاء إلى الخلايا المختلفة لاستعمالها في إنتاج الطاقة اللازمة لنشاط الجسم. ثم يقوم الدم بعد ذلك بحمل الفضلات الضارة المتبقية نتيجة لعملية التمثيل الغذائي في الجسم وذلك من خلال أجهزة الإخراج كالكلى والجلد فيتخلص منها الجسم عن طريق البول والعرق. والدم عامل هام جدا في تقوية مناعة الإنسان وتزويد الجسم بالأجسام المضادة وبالخلايا المقاتلة والمقاومة للهجمات الجرثومية ومن وظائفه أيضا تنظيم درجة حرارة اجسادنا. هل تعلم أخي القارئ أن أول عملية نقل دم بشرية موثقة بشكل كامل تمت قبل خمسة قرون، قام بها طبيب فرنسي يقال له جان-باتيست دينيس (مواليد 1643 – توفي عام 1704) في 15 يونيو 1667. حيث قام جان-باتيست بنقل دم خروف إلى فتى في الخامسة عشرة من عمره. وفي عام 1818، نفذ طبيب النشاء والولادة البريطاني جيمس بلونديل أول عملية نقل دم بشري ناجحة لمريض لعلاج نزيف ما بعد الولادة. تدعى عملية نقل الدم الصفق في اللغة العربية وهي عملية نقل الدم أو مواد مشتقة منه من شخص إلى الدورة الدموية لشخص آخر. يتمكن الأطباء من خلالها من إنقاذ حياة شخصٍ ما في بعض الحالات، مثل فقدان كمية كبيرة من الدم بسبب حوادث السيارات وما شابه، أو يمكن استخدامه ليحل محل الدم المفقود أثناء الجراحة. هناك حالات أخرى يتطلب علاجها المرحلي نقل الدم الى الأشخاص المصابين بها مثل فقر الدم الحاد بشكل عاجل، أو بشكل متكرر للأشخاص الذين يعانون من امراض دم مزمنة مثل الأنيميا المنجلية التي يعاني منها سكان جنوبنا الغالي والتلاسيميا المنتشرة في المنطقة الشرقية من مملكتنا الحبيبة أو نقص الصفيحات الدموية الناجمة عن أمراض الدم. كان الاعتقاد السائد في القرن التاسع عشر أن الدم نوعٌ واحدٌ متماثلٌ بين جميع البشر. وغالبا كانت محاولات نقل الدم من الأشخاص السليمين للمرضى تؤدي إلى موت المرضى الأمر الذي أدى إلى منع نقل الدم لفترات طويلة في أوروبا الى أن تم اكتشاف انتجينات في الدم على يد العالم النمساوي كارل لاندشتاينر سنة 1902. فهذه الأنتيجينات عبارة عن بروتينات سكرية موجودة على سطح خلية الدم الحمراء، يُقسم الدم على أساسها الى أربع فصائل كما هو معروف ألا وهي A وB وAB وO. يعتبر الإنسان هو المصنع الوحيد للدم، فلا يوجد حتى الآن أيُّ بديل صناعي عن الدم البشري فهو سر الحياة. يتخوف الكثير من عمليات نقل الدم منهم وإليهم بل هناك مجموعات في أمريكا الشمالية -وهم شهود يهوه-تحرم على نفسها نقل الدم إليها تحت أي ظرف من الظروف خوفا من انتقال أمراض إليهم لم يكونوا يعانون منها سابقا. ولكن أحب أن اطمئنك أخي القارئ أن نقل الدم آمن الى حدٍ كبير جداً. حيث تخضع عملية التبرع لإجراءات صارمة جدا في كثير من دول العالم المتقدم والسعودية واحدة منها. يتم فحص المتبرعين ودمه والتأكد من خلوهم من أي إشاراتِ أو أعراضِ أمراضِ قد تكون موجودة يُمْكِنُ أَنْ تنتقل بنقل الدَمّ عن طريق اختبارات ذات حساسية ودقة عالية بما في ذلك بعض الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، فالاختبارات الأساسية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية هي أربعة تعتبر قوانين نافذة وهي: -المستضد السطحي لالتهاب الكبد الوبائى ب. -الأجسام المضادة لالتهاب الكبد الفيروسي ج. -الأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية، وعادةً النوع الفرعي 1 و2. اختبار وجود مرض الزهري كما يقوم أخصائي سحب الدم بسؤال المتبرع أسئلة حول عوامل الخطر للعديد من الأمراض، مثل السفر إلى البلدان المعرضة للملاريا أو مرض كروتزفيلد جاكوب (جنون البقر)، تختلف هذه الأسئلة من بلد إلى آخر. فعلى سبيل المثال، لا تسمح قوانين منظمة أنكبيك بمقاطعة كبيك الكندية للأشخاص الذين كانوا يعيشون في المملكة المتحدة بالتبرع خوفا من حملهم لفيروس جنون البقر (مرض كروتزفيلد جاكوب -حالة مرضية نادرة ولكن قاتلة تسبب في تلف في الدماغ مع مرور الوقت) واحتمالية انتقاله لشخص آخر، بينما في المملكة المتحدة نفسها لا يتم أخذ المرض بعين الاعتبار إلا في حالة أن يكون المتبرع قد تعرض لعملية نقل دم داخل المملكة المتحدة نفسها. يبلغ عدد وحدات الدم المنقول في بريطانيا وحدها حوالي 2.5 مليون وحدة من مكونات الدم كل عام، ومع ذلك لم يكن هناك سوى أربع حالات جنون بقر مرتبطة بنقل الدم حتى الآن. كما تفرض دول العالم قيوداً على المتبرعين، فمثلا لا يقبل التبرع من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال لأنه أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وبالتالي تصبح احتمالية وجود الفيروس في دمهم عالية جدا مما يشكل خطرا على من سيستقبله. أما عملية استخدامه على نفس التبرع لاحقا، فلا تفرض قيودا مشددة على سلامة الدم حيث ان المتبرع هو الذي سيحصل على دمه لاحقاً ولا شخص سواه. يسأل أيضاً المتبرع عما إذا كان يتعاطى أي نوع من الأدوية؛ حيث ان بعض الأدوية قد تضر أو تشكل خطراً على الشخص المستلم وخاصة النساء الحوامل. لتعلم أخي القارئ أن احتمالية نقل مرض معين مع نقل الدم تتراوح من بلد لآخر ومن مرض لآخر أيضا فمثلاً تشير التقديرات عموماً إلى أن: -احتمالية نقل والإصابة بالتهاب الكبد B هو حوالي 1 من 1.3 مليون وحدة دم منقول - احتمالية نقل والإصابة بالتهاب الكبد C هو حوالي 1 في 28 مليون وحدة دم منقول -احتمالية نقل والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية هو حوالي 1 في 6.5 ملايين وحدة دم منقول. لم تسجل حالة عدوى فيروسية نتيجة نقل دم ملوث منذ عام 2005 ما عدا حالة ريهام التي سجلت العام الماضي في المملكة والتي لم تتطور إلى أي التهاب مرضي إلى الآن ولله الحمد والمنة. أما التلوث البكتيري فهو أكثر من الفيروسي والذي يعتبر في الولايات المتحدة السبب الثاني الأكثر شيوعا للوفاة من نقل الدم (بعد الأخطاء الكتابية). حيث تبلغ معدلات الوفيات من نقل الدم الملوث حدا كبيرا يتراوح بين 20000 -85000 لكل وحدة دم ومع ذلك لا تتجاوز نسبة حدوث تلوث بكتيري ونقله للمرضى أكثر من وحدة واحدة لكل مليون وحدة دم منقولة. يُحاول الجراحون تقليل كمية الدم التي يفقدها جسم المريض أثناء العمليات الجراحية بحيث تقلّ حاجته إلى نقل الدم. كما يقومون أحياناً بجمع الدم النازف من المريض من أجل إعادته إليه من جديد إلا أن هذا الخيار غير صالح عند إجراء عمليات الجهاز الهضمي عامة والقولون خاصة لاحتمال تلوث الدم بإفرازات الجهاز الهضمي المليئة بالبكتيريا الضارة والسامة جدا والتي قد تؤدي بحياة المريض الى التهلكة. لقد طَوَّر الباحثون مُستحضرات طبية يُمكنها أن تَحل محل بعض أجزاء الدم. وهناك أدوية تُساعد المرضى على زيادة إنتاج بعض الخلايا الدموية. وهذا ما يؤدي إلى تقليل حاجة المريض إلى إجراء نقل الدم. هناك خيارات عدة للمرضى الذين لا يرغبون في نقل دم إليهم وعملياتهم التي سيخضعون لها من العمليات المجدولة وغير طارئة: -عملية ” نقل الدم الذاتي“ وهي أن يؤخذ عدة وحدات من دم المريض بوقت كافٍ قبل العملية ما أمكن إن كانت حالته الصحية والوقت يسمحان بذلك. تخزن هذه الوحدات لاستعمالها أثناء العمليات الجراحية إن تطلب الوضع لذلك. - التبرع العائلي وطلب المستشفى ألا ينقل له إلا دم العائلة ما أمكن. - التبرع المباشر؛ ويتبرع المتبرع -غالباً من الأسرة-إلى شخصٍ معين. تنتشر هذه الظاهر في دول كثيرة مثل غانا. ويتم التبرع المباشر عن طريق تبرع وقتي بتحويل الدم من المتبرع للمريض، ويستغنى عن الدم المخزن، وذلك لوجود إمداد دم وقتي وتوفير الدم المخزن لمريض آخر. وأخيراً عزيزي القارئ لتعلم أنه لديك خيار دائما ألا تقبل الدم خصوصاً إذا الإجراء الجراحي كان اختياريا ومجدولا. وإذا ما اضطررت الى أخذ دم فإن فرصة واحتمالية نقل دم ملوث وإصابتك بمرض ما جراء ذلك تتساوى مع فرصة فوزك بورقة يانصيب في دوله مثل الصين. ومن حسن الحظ أن الأطباء أنفسهم يسعون بقدر الإمكان أن يُبعدوا المريض عن عمليات نقل الدم قدر الإمكان. حماني وحماك الله وكل قارئ من كل مكروه وخطر.

مشاركة :