طلال عوكل يكتب: الأقصى في عين العاصفة

  • 7/16/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بدون تجاهل الأسباب والدوافع والتداعيات، التي تتعلق بعملية القدس، التي وقعت يوم الجمعة المنصرمة، فإن ردود الأفعال عليها، تشير إلى أن إسرائيل نجحت في أن تخلق قاعدة مهمة تبدو وكأنها تتحول إلى معيار قيمي. يسارع كل من يركبه هوس التبرؤ من الإرهاب، والتظاهر بعمق انتمائه وقناعته بضرورة الحرب عليه، إلى ادانة العملية، واغتنام الفرصة للتعبير عن التضامن مع إسرائيل. يتناسى هؤلاء ولا ينسون أن إسرائيل دولة احتلال، وأن سجلها طافح بأبشع أشكال الإرهاب، وهو إرهاب الدولة الذي نجم عنه عشرات المجازر، وجرائم الحرب، والتعامل بفظاظة ورفض مع القرارات والمواثيق الدولية. يغيب هؤلاء المنافقون الموقف من الاستيطان غير الشرعي، وغير القانوني بحسب مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها، وآخرها قرار مجلس الأمن 2334. ويغيب المنافقون قرار محكمة لاهاي بشأن جدار الفصل العنصري، والعديد من تقارير الأمم المتحدة، التي تدين إسرائيل لارتكابها جرائم ضد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ويغيب المنافقون سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة، الذي تحاصره منذ أكثر من عشر سنوات. المنافقون ليسوا فقط مسؤولين أجانب وإنما سنجدهم أيضا في أنحاء بلاد العرب والمسلمين، وسنجدهم في المؤسسة المسؤولة عن الأمن والسلام الدوليين. يندهش بنيامين نتنياهو من بيان وزارة الخارجية الأردنية، الذي يطالب إسرائيل بإعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين، فالبيان يخرج عن السياق العام الذي كرسته إسرائيل كقيمة، ويتطلب فقط إدانة ما تعتبره العملية الإرهابية. وربما تستغرب إسرائيل أيضا، دعوة تركيا لها بإعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين فورا. ولا أدري أيضا لماذا يختلف الفلسطينيون في الموقف من العملية، بين من يدينها بأشد العبارات ومن يحتفل بها، مع أنهم كلهم ضحايا للاحتلال. لا يفسر هذا المشهد الفلسطيني الحزين سوى أن السياسة فقدت البوصلة. في كثير من المرات كانت إسرائيل تخلق الذرائع، لتبرير حروبها على الفلسطينيين سواء عام 2002 حيث شنت حملة السور الواقي على الضفة، مما أدى إلى إعادة احتلالها، أو حين شنت ثلاث حروب على قطاع غزة. إزاء الأقصى والقدس تواصل إسرائيل خلق الذرائع لتحقيق هدفها في فرض التقسم الزماني والمكاني بما يتيح لليهود الصلاة فيه ومصادرة حائط البراق كليا. يعرف الكل أن المسجد الأقصى يتعرض كل الوقت لاقتحامات الجماعات اليهودية المتطرفة، وأن نتنياهو أجاز لوزرائه وأعضاء الكنيست لأن يفعلوا الشيء ذاته. إسرائيل تعرف خير المعرفة مدى حساسية المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين، الأمر الذي كان سببا فيما عرف بهبة البراق عام 1996، وفي عام 2000 بانتفاضة الأقصى، كرد على اقتحام شارون والشرطة الإسرائيلية باحات المسجد. في هذه المرة لا تتوقع حكومة نتنياهو انتفاضة أو هبة، فالانقسام الفلسطيني، والسياسة العامة للسلطة لا تشجع على اندلاع أي عمل شعبي كبير. غير أن ردود فعل الحكومة الإسرائيلية، غير المسبوقة والمبالغ بها تفضح الأهداف. فورا تقوم الشرطة الإسرائيلية بمنع رفع الأذان لصلاة الجمعة من المسجد الأقصى وتغلقه تماما أمام المصلين، وتقوم باعتقال مفتي القدس وخطيب المسجد. يتحول المسجد الأقصى إلى ساحة حرب ومقر أمني إسرائيلي، وكل ذلك كإجراءات أولية، ومقدمات لتحقيق الهدف، طالما أن المنافقين يوفرون الغطاء. لم يسأل أحد عن أسباب وجود الشرطة الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى، حيث يقيم المصلون صلاتهم، ويتجاهل الكل الأسباب التي تقف وراء القيود الإسرائيلية المفروضة منذ زمن وتنتهك حق الوصول إلى أماكن العبادة في القدس. لم يعلن أي فصيل مسؤوليته عن العملية، ولا أي جماعة سياسية أو غير سياسية في الأراضي المحتلة عام 1948، التي جاء منها الشباب الثلاث الذين قاموا بالعملية، فضلا عن أنهم من عائلة واحدة ومن منطقة واحدة هي مدينة أم الفحم. من المهم فحص الدوافع والأهداف بعيدا عن الاشتباه بدوافع تحقيق البطولة. في كل الأحوال علينا أن نراقب طبيعة ردود الفعل الإسرائيلية سواء في القدس، أو إزاء مواطنيها من الفلسطينيين بصفة عامة، وبصفة خاصة في أم الفحم. ولكن من المهم بالقدر ذاته مراقبة ردود فعل المنافقين إزاء ما تقوم به دولة الاحتلال التي تبرع في ارتداء جلد الحمل فوق جلد الذئب. القدس تتعرض للتهويد والمصادرة وتنتهك إسرائيل حرماتها ومقدساتها، والمسجد الأقصى في عين العاصفة، فهل سيسقط العرب والمسلمون سلاح الكلام واستبداله بسلاح الأفعال؟

مشاركة :