هالة السعيد تخالف رؤية كثيرين بقرارات اقتصادية قاسية بقلم: سمير الشحات

  • 7/16/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الوزيرة هالة السعيد تؤمن أن واجب الدولة لم يعد توظيف الخريجين الجدد وإنما يجب أن تركز أكثر على تطوير التعليم وتوفير برامج التدريب ورفع قدرات الخريجين.العرب سمير الشحات [نُشر في 2017/07/16، العدد: 10693، ص(9)]وزيرة ليبرالية تتولى تخطيط مصر وإصلاح مؤسساتها القاهرة -الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خاطب المصريين، قبل أسبوعين، مؤكداً أن حكومته تنفذ برنامجا جادا للإصلاح الاقتصادي يهدف إلى معالجة المشاكل الاقتصادية للبلاد، مشيدا بقدرة الشعب المصري على “تفهّم القرارات الصعبة وتحمّل مشاق الإصلاح الاقتصادي”. السيسي قال هذا في كلمة بمناسبة الذكرى الرابعة لمظاهرات 30 يونيو. وقد رفعت الحكومة المصرية أواخر الشهر الماضي أسعار المحروقات في البلاد بنسب تراوحت بين 40 و60 بالمئة. لكنّ الرئيس المصري أضاف أنه “رغم أن تغيير واقع الشعوب يحتاج لوقت طويل، إلاّ أنّنا ننظر بفخر إلى ما حققناه ونحققه كل يوم”. وفي الفريق الاقتصادي للسّيسي تبرز شخصية هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في الحكومة المصرية. السعيد ليست مجرد باحثة أكاديمية متميزة أو أستاذة جامعية شهيرة، بل لها من الإنجازات العملية والوظيفية والبحثية ما جعل كاتبة أميركية تصنفها قبل شهور في كتاب لها بأنها واحدة من بين 38 سيدة أسهمن في تغيير المجتمع المصري في السنوات الأخيرة. والمتابع لأنشطة السعيد سوف يلحظ أنها، وقبل أن تتولى الوزارة، امتلكت رؤية شاملة وواضحة لكيفية إصلاح الاقتصاد. ومع ذلك فإنّ مصر معروف عنها أن تصريحات المفكر والمحلل الاقتصادي وهو خارج السلطة شيء، ثم عندما يتولّى المنصب الوزاري نراه وقد تحوّل إلى شخص آخر، وطبعًا السبب هو جبل التحديات والمعوقات التي توجد في الواقع المعيش وليس في الكتب. لذلك فقد فرض السؤال نفسه عندما تولت السعيد الوزارة، وماذا يمكن أن تقدم جديدًا لم يقدّمه سواها؟ إلغاء الدعم في كتاب “بنات النيل-سيدات مصر يغيّرن عالمهن”، الصادر في بريطانيا مؤخرًا ويتناول قصص نجاح 38 سيدة مصرية بارزة، قالت السعيد إن عائلتها ساهمت كثيرا في تكوين مسيرتها المهنية فيما بعد، وتعلمت من والدها حلمي السعيد ومن والدتها سعاد فرحات المثابَرة والإصرار على النجاح، وأهمية التسلح بقيم الحداثة والمعاصرة لكن دون إغفال الموروثات الثقافية المصرية مع الحرص على التمسك بالقيم الدينية. على الرغم من البساطة الظاهرية لتلك الجذور التي زرعتها فيها عائلة السعيد إلا أنها رأت أن “ذلك هو الأساس الذي ساعدها على بناء شخصيتها المستقلة، وأن تلك الجذور كانت هي المشكاة التي اهتدت على ضوئها كلما تدرجت في حياتها المهنية، سواء عندما كانت أول عميدة منتخبة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في عام 2011 أو عندما أصبحت وزيرة للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في عام 2017 “. شخصية السعيد المستقلة في تفكيرها وحياتها العملية تجلّت بعد ذلك عندما أخذت التوجه الليبرالي الاقتصادي على عكس توجه والدها الاشتراكي الذي عمل طويلًا مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر. ارتبط اسم أبيها حلمي السعيد باسم أكبر مشروع تنموي في مسيرة عبدالناصر وهو بناء السد العالي، وكان وزيرا للكهرباء والسد العالي في الفترة من نوفمبر 1970 وحتى مايو 1971، كما كان مؤسس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. ليبرالية هالة السعيد ظهرت في تصريحاتها وحواراتها الصحافية حتى قبل أن تصبح وزيرة، فقد ذكرت في أحد حواراتها أن من أهم العوائق التي تواجه مصر ترشيد الدعم الذي رأته عبئا كبيرا على الاقتصاد المصري وعلى الموازنة العامة للدولة، خاصة دعم الطاقة، وقالت “إصلاح الاقتصاد المصري يجب أن يتضمن تقليص عجز الموازنة فورًا، وهو ما لن يتم دون معالجة قضية دعم الطاقة الذي أصبح حتميًا من أجل الاقتصاد والمستقبل”. في مصر تعد مسألة “إلغاء الدعم” من الموضوعات شديدة التعقيد والحساسية، سواء على مستوى رجل الشارع العادي أو بالنسبة إلى كبار المسؤولين والمحللين الاقتصاديين، ودائمًا ما يرفضها المنتمون لليسار المصري ويرونها انحيازًا من الدولة إلى الأغنياء على حساب الفقراء وبسطاء المجتمع، وأن حلّ مآزق الاقتصاد يجب ألاّ يكون على حساب الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي المجحفة والتي من بينها هذا الإلغاء. مع ذلك قالت السعيد بجرأة “ملف الدعم لم يعد يحتمل التأجيل بعد أن أصبح عبئًا على الاقتصاد والموازنة العامة، ولا يمكن استمرار الأمر هكذا دون إعادة هيكلة دعم الوقود الذي بلغ حجمه في العام 2016 أكثر من 130 مليار جنيه (ما يقرب من ستة مليارات دولار)، ويكفي أن نقول إن إلغاء دعم الطاقة للمصانع كثيفة استخدام الطاقة لوحده سيوفر 20 مليار جنيه (حوالي مليار دولار).ليبرالية هالة السعيد تبدو واضحة في تصريحاتها وحواراتها الصحافية حتى من قبل أن تصبح وزيرة، وليس فقط بعد أن رفعت الحكومة المصرية أواخر يونيو الماضي أسعار المحروقات في البلاد بنسب تراوحت بين 40 و60 بالمئة. فقد ذكرت في أحد حواراتها أن من أهم العوائق التي تواجه مصر ترشيد الدعم الذي رأته عبئا كبيرا على الاقتصاد المصري وعلى الموازنة العامة للدولة، خاصة دعم الطاقة وأضافت “إن تطبيق الكروت (البطاقات) الذكية في البنزين والسولار سيوفر العديد من المليارات، ولهذا ينبغي على الحكومة أن تمضي قدمًا في هذا الطريق دون تأخير”. فما السرّ وراء هذا الاختلاف بين تفكيرها وتفكير والدها؟ لماذا لم تتبنّ السعيد الفكر الاشتراكي منهجا في تفكيرها؟ هنا يمكن الحديث عن سببين، أولهما اختلاف البيئة الثقافية والسياسية لهالة عن بيئة أبيها، فالأولى سيطر فيها تيار القومية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية في ستينات القرن الماضي، بينما الثانية -بيئة النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين وما تلاها- سيطر عليها الفكر الرأسمالي والانفتاح وتجنيب دور الدولة. أما السبب الثاني فيتمثل في أن الكثيرين من المثقفين والأكاديميين المصريين من جيل هالة السعيد رأوا في أفكار ستينات القرن الماضي وشعاراتها مجرد رومانسية غير واقعية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع فاتجهوا تلقائيًا إلى ليبرالية الاقتصاد وانفتاحه على الغرب وليس الشرق، ومع ذلك قد تكون لديها أسباب شخصية أخرى. السعيد -في ظل تفكيرها الليبرالي- تؤمن بأن واجب الدولة لم يعد توظيف الخريجين الجدد، وإنما يجب أن تركز أكثر على تطوير التعليم وتوفير برامج التدريب ورفع قدرات الخريجين الجدد حتى يسهل بالنسبة إليهم إيجاد فرص عمل وتوسيع البدائل أمام اختياراتهم الوظيفية، لكن على الدولة في نفس الوقت التوسع في مشروعات البني التحتية والتشييد والبناء لأنها مشروعات كثيفة العمل، فضلا عن ضرورة تسهيل الدولة إمكانية حصول الخريجين الجدد على قروض مصرفية تساعدهم على بداية مشاريعهم الذاتية، وخاصة إذا كانت في مجال تكنولوجيا المعلومات الذي ينمو بصورة مذهلة في العالم. الفكر الاقتصادي المختلف تصوّر السعيد الليبرالي امتد ليشمل آليات “الحوكمة” السياسية، وهي تقول إن على الدولة المصرية اتّباع آليات الشفافية والتواصل ومصارحة المواطن بما يواجهه الاقتصاد المصري من أزمات، والحرص على إدماج تصورات المواطنين المختلفة من جميع الشرائح الاجتماعية في الحلول التي تتخذها الحكومة على طول الطريق، وذلك بدوره سيجعل خارطة الإصلاح الاقتصادي التي تعلنها الدولة محلّ توافق مجتمعي من جميع فئات الشعب المختلفة ما سيساعد كثيرا عند البداية في تطبيق الحلول على أرض الواقع. ظهر توجه السعيد في الطريقة التي أدارت بها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في ظل عمادتها لها، وآمنت دائمًا بأهمية الدور التفاعلي للطلاب أثناء سنوات دراستهم الجامعية، لذلك حدثت طفرة كبيرة في عهدها في عدد الأنشطة الطلابية ونماذج المحاكاة، واشتهرت الكلية بأنها الأفضل في جامعة القاهرة فيما يتعلق بتلك الأنشطة، كما زاد عدد الندوات التثقيفية داخل الكلية والبرامج المشتركة مع عدد من الجامعات الأوروبية. وعن أثر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في حياة هالة السعيد، ذكرت في كتاب “بنات الليل-سيدات مصر يغيّرن عالمهن” أن تلك الكلية هي التي وجهت نظرها إلى دور المرأة المحوري في المجتمع المصري، وزرعت فيها بذور التفكير الابتكاري ومحاولة تغيير الأمر الواقع، خاصة أن السعيد درست على يد أساتذة كانوا يؤمنون كثيرا بقيم الحداثة، من أمثال بطرس غالي وعمرو محيي الدين وزكي شافعي ومحمود خيري عيسى وحامد ربيع وغيرهم. رؤية للإصلاح تتلخص رؤية السعيد لإصلاح الاقتصاد المصري في أربعة عناوين رئيسية؛ الأول هو سرعة التعامل مع مشكلات الاقتصاد دون أيّ إبطاء أو تلكّؤ، وهو ما يثير استفهامًا عمّا إذا كانت الوزيرة تؤيد ما اتخذته الحكومة مؤخرًا، أيضًا ما سوف تتخذه في يوليو الجاري من إجراءات رفعت الأسعار وعوّمت الجنيه فأغضبت الشارع وزادت من احتقانه.هالة السعيد ترى أنه من الضروري الإسراع بمكافحة البطالة التي تزيد حاليًا على 13.4 بالمئة حسب تقديرات الحكومة، وإن كانت تقديرات أخرى تقول إنها أكثر من ذلك بكثير، وترى أن الأولوية يجب أن تكون لدرء هذا الخطر، لأنه بات يهدد السلم الاجتماعي العنوان الثاني هو ضرورة مكافحة البطالة التي تزيد حاليًا على 13.4 بالمئة حسب تقديرات الحكومة، وإن كانت تقديرات أخرى تقول إنها أكثر من ذلك بكثير، وترى السعيد أن الأولوية يجب أن تكون لدرء هذا الخطر بسرعة لأنه بات يهدد السلم الاجتماعي، وفي هذا السياق ترى ضرورة إطلاق مبادرة قومية للتشغيل تتضمن برامج مكثفة للتدريب. البند الثالث في تصورها للحل يتمثل في التوسع في إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كذلك المشروعات كثيفة استيعاب العمالة، أما الرابع فهو تشجيع تدفق الاستثمارات، وأن ذلك لن يتم إلا برفع تنافسية الاقتصاد المصري على مستوى العالم. بالتأكيد كان تركيز السعيد على المشروعات الصغيرة في أبحاثها العديدة التي قدمتها عبر حياتها الأكاديمية أحد أسباب اختيارها لحقيبة التخطيط، لأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يعوّل كثيرًا على الشباب ليكونوا ظهيرًا سياسيًا له في الفترة المقبلة، وطبعًا لن يتم ذلك إلا من خلال توفير فرص العمل لهم وإنهاء بطالتهم. قالت في هذا الصدد “من الضروري أن يعمل القائمون على إدارة السياسة النقدية في مصر على إعادة تحفيز الطلب من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تتسم بتشغيل عجلة الإنتاج وتوفير فرص العمل التي تحد من البطالة”. صناعة مصرية على خلاف الكثير من الخبراء والوزراء السابقين واللاحقين، الذين تلقوا تعليمهم في جامعات الخارج، فإن السعيد تلقت دراستها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وحصلت منها على البكالوريوس عام 1978، ثم الدكتوراه في عام 1989 وتولت عمادتها من 2011 وحتى 2016. ومعروف عن السعيد أنها سبق ورفضت تولّي الوزارة أكثر من مرة، وهي لم يأت توليها المنصب الوزاري ككثير من غيرها من الوزراء الذين تم أخذهم مباشرة من الحياة الأكاديمية إلى كرسي الوزارة، بل لقد سبق وتولت عضوية الكثير من مجالس إدارات الهيئات والبنوك والمؤسسات، مثل عضوية مجلس إدارة البنك المركزي المصري، ومجلس أمناء مكافحة غسل الأموال، وتولت إدارة المعهد المصرفي التابع للبنك المركزي، فضلًا عن عمادتها لكلية عريقة مثل كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة. يذكر أن السعيد كانت مجتهدة في جميع مراحل حياتها الدراسية، وحصلت على شهادة الثانوية العامة المصرية بترتيب السادس على مستوى الجمهورية، ثم حصلت على بكالوريوس الاقتصاد بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم أكملت دراستها الأكاديمية لتحصل على ماجستير في الاقتصاد بتقدير ممتاز من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتوراه في فلسفة الاقتصاد من نفس الكلية، إلى جانب شغفها الدائم بالانخراط في الحياة العامة منذ الصغر وعدم الاكتفاء بالجانب الأكاديمي، وكانت رئيسة لاتحاد طلاب مدرستها، واختيرت كأفضل رئيس لاتحاد الطلبة حينها. السعيد ظلت مقتنعة طوال حياتها بأنها يجب عليها أن تخدم مجتمعها المصري بما تعلّمته في حياتها الأكاديمية أو حياتها العملية، وطورت من برامج التدريب في البنك المصرفي ليصبح الآن واحدًا من أفضل الجهات التي تدرّب المصرفيين ليس على مستوى مصر بل على مستوى الشرق الأوسط كله، كما شاركت في تأسيس أول استراتيجية قومية للتمويل متناهي الصغر بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وهيئة المعونة الأميركية عام 2005، فضلا عن قيامها بتأسيس أول قاعدة بيانات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ما ساهم كثيرا في تسهيل عملية الإقراض لتلك المشروعات سواء من قبل المانحين الدوليين أو بنوك القطاع الخاص أو العام. ويبقى أنها، رغم ليبراليتها، صرحت في أكثر من مناسبة بإعجابها بعبدالناصر، وهو ما يطرح جملة من الأسئلة حول كيفية مواءمة المسؤول الحكومي بين قناعاته الشخصية ومقتضيات وظيفته حسبما يمليه إيقاع العصر عليه، وأيضًا ما إذا كانت تستطيع تحقيق رؤيتها وهي باحثة أكاديمية على أرض الواقع، خاصة وأنها تولت تخطيط مصر في ظروف أصعب من أيّ وقت مضى.

مشاركة :