عرض مسرحي يعالج صراع الإنسان مع اليأس بقلم: علي لفته سعيد

  • 7/16/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مسرحية أنا ورأسي وهي تنتقد الفرد العراقي فإنها تنتقد الإنسان داخل الفرد وتحتكم إلى كمية الحزن الكبيرة التي تغلّف الخطاب الذاتي.العرب علي لفته سعيد [نُشر في 2017/07/16، العدد: 10693، ص(15)]عمل يفلسف آلام العراقيين مسرحياً في هذه المسرحية التي تلعب هذه الأيام على خشبة المسرح في بغداد يلجأ الكاتب المسرحي لؤي زهرة إلى قطع رأس بطل مسرحيته، ليبدأ بالتّحاور معه في نقد المجتمع من خلال نقد الذات، مثلما لجأ المخرج عباس شهاب الذي كان هو بطل شخصية المسرحية المونودرامية الوحيدة إلى وضع مشنقة لقطع الرأس ومن ثم اللجوء إلى الضوء والظلّ لمحاكاة المحاكمة التي تبدأ بين الرأس والجسد. المسرحية التي قدّمها المؤلف والمخرج لوحدهما خارج عنونة المؤسسات المسرحية لأنهما يشتركان في عرض المسرحية الجديدة “أنا رأسي” بعد أن قدّما في وقتٍ سابقٍ قبل شهرين مسرحية “لو كنت بيننا” والتي كانت استدعاءً لشخصية الإمام علي بن أبي طالب لمحاكمة الواقع العراقي الجديد والأحزاب الإسلامية التي استغلت الدين ورجالاته لسرقة بيت المال. مسرحية “أنا ورأسي” ربما أخذت المنحى الفلسفي لنقد المجتمع ونقد الذات بطريقةٍ لاذعةٍ أريد لها أن تكون محطّةً أولى لجلد الذات، من أن كلّ ما يمتّ بصلة إلى الواقع الذي نعيشه سببه الإنسان نفسه. لذا استغل المؤلف ثيمة الصراع بين الرأس والجسد حيث جعل من الرأس منطقة نصفية مع الجسد. مثلما ذهب المؤلف إلى جعل الحوار بين الاثنين وكأنه حوارٌ ينطلق من النصفين إلى العام، فما يقوله الرأس معنيّ به الجسد والعكس صحيح، فحين يحتج الجسد على الرأس فإنه يريد الحرية “أنت أيها الرأس توقف عن التفكير قبل أن تنفجر، كن أحمق أو كن كالأنعام مثل أيّ بهيمة، كن كالخراف حين تسير مطمئنةً خلفَ الراعي، فيسلّمها الراعي إلى الجزار ويقبضُ ثمنها، والجزار يحزُٓ رؤوسها ويسلخ جلودها ويبيع لحمها أشلاء”.مسرحية "أنا ورأسي" ربما أخذت المنحى الفلسفي لنقد المجتمع ونقد الذات بطريقة لاذعة أريد لها أن تكون محطة أولى لجلد الذات، من أن كل ما يمت بصلة إلى الواقع الذي نعيشه سببه الإنسان نفسه وحين يحتج الرأس فإنه يريد الحرية وإن كان بطريقة من يشعر بالانهزام أو يشعر بالاختناق، فكان الكلام موجّهاً إلى النصفين معا من خلال الرؤية الأولى لخاصية الخطاب الفلسفي المتوّج للمسرحية لكنه خطابٌ موجّه إلى المتلقّي الذي يرى أمامه كتلةً من السواد التي تتحرّك فيها الشخصية فيكون الناتج عملية استحصال الواقع ونقده من خلال فضح روحية اليأس التي تعتري الإنسان العراقي في زمن الحروب “من يشتري صوتي وحبالي الصوتية من يشتري حنجرتي؟ كليتي وحبلي الشوكي وقطعا من كبدي، أبيع نفسي جملة وتفصيلا. من يشتري رأسي وعقلي فأنا غير محتاج إليه، من يشتري جذوري المرتبطة بهذه الأرض أو يمنحني عيشة بكرامة فوق تراب وطني”. المسرحية وهي تنتقد الفرد العراقي فإنها تنتقد الإنسان داخل الفرد وتحتكم إلى كمية الحزن الكبيرة التي تغلّف الخطاب الذاتي.. وهو بالتالي خطابٌ أراده المؤلّف موجّهاً إلى الآخر، السلطة بكلّ مسمياتها.. ولأنه صوتٌ لا يُسمع في زمن اللسان المفتوح، فإنه يعرض كلّ شيء للبيع وكأن المسرحية تريد أن تعرض من محاكمة الرأس والجسد أحدهما للآخر على أنّ اليأس وصل إلى مرتبةٍ عليا، وأنه لا فرار من المحاكمة الذاتية، لعلّ الوقت يحين في وقتٍ آخر لمحاكمة المسؤول عن تفجّر شحنات اليأس، فتبدأ الشخصية بطرح كلّ شيء للبيع وأهمها الأشياء الجميلة لأنه لم يعد مؤثّراً في زمن لا يعير أهميةً للإنسان ذاته، ويجعله مشروع موتٍ وقتلٍ فيعرض لوحاته وتماثيله.. روحه شكله وهو يضحك مرة وأخرى يبكي لتنويع التناقض داخل النفس البشرية.. وهو مستوى فلسفيّ في روحية النصّ، وكذلك الكتب والقراءة والصراخ، بل إن الرأس يعبّر في حواراته عن أنه مجرّد لوحةٍ رسمها فنان وإن بالإمكان شراؤها.. وهو هنا لا يبتعد عن الفلسفة وسؤالها حيث يكون التجاوز على المخلوق الذي يتحوّل إلى ملصقٍ أو صورةٍ أو أيّ شيءٍ قابلٍ لدقّ المسامير فيه ليتحوّل إلى عنصر فرجة.المخرج أفلح في جعل الجسد يتحدث نيابة عن الملايين مثلما جعل الرأس كذلك في معادلة ضوئية مرة وأدائية مرة أخرى باستغلال خشبة المسرح المسرحية التي قدمت بإمكانيات بسيطة لكنها كانت بديكورٍ يحكي العناصر، وأولها فعل الضوء الذي كان عنصراً مهمّاً من عناصر العرض التي يمكن من خلالها أن يمرّ الزمن والاحتجاج وحركة الرأس لوجه داخل مثلثٍ، وحركة الجسد الذي خرج من المشنقة في الثلث الأول من المسرح وشبكة الصيد التي تغلّف سقف المسرح، والسرير في آخرها، حيث يقضّ السواد مضجع الشخصية التي أدخل فيها المخرج حركة البانتومايم لثلاثة شباب بينهم شابة (وداد هاشم) ليؤدّوا دور الطاحن لهذه الشخصية التي تأخذها النتائج المجتمعية والسياسية إلى الإسراع إلى محاكمة رأسه وجسده.. وكلّ يريد الهرب من جزئه وإلقاء التهمة على الطرف الآخر، وهو مستوى تأويلي لمعرفة الأسباب والدال والمدلول. هذا الأمر قد يبدو صعباً للمخرج الذي يعمل بإمكانيات بسيطة لعملٍ يراد له أن يكون ناطقاً بفلسفة الواقع، ولكنه، أي المخرج، حاول أن يجعل كل أدواته مساهمة فيه سواء من خلال الإضاءة وقطع الرأس عن الجسد وإعطاء شخصية ثانية تؤدي دور الجسد لكنه كان في منطقة أخرى من الأحداث أو من خلال الديكور الذي أريد له أن يكون ممثلا آخر مع الشخصية المحورية وخاصة المشنقة التي تعني الوصول إلى حالة اليأس مثلما تعني قتل الحلم.. وقد أفلح المخرج في جعل الجسد يتحدث نيابة عن الملايين مثلما جعل الرأس كذلك في معادلة ضوئية مرة وأدائية مرة أخرى باستغلال خشبة المسرح خاصة وأن الرأس يمثل الفكر والجسد يمثل التطلع والقوة لذلك احتاج المخرج إلى جعل الحوار يبدو في بعدين الظاهري المرسل إلى الفكرة والداخلي الحوار العميق بين الإنسان ذاته ليشاركه المتلقي فكان يحاول بحركات معينة أن يكون مرة نصف إنسان سفلي وآخر علويا.. والأصعب حين يكون المخرج هو الممثل الوحيد وعليه أن يثبت كفاءته كممثل ويعطي بعدا إنسانيا كمخرج وكأن هناك سؤالا وفق إمكانيات مادية تصل إلى حدّ شرب الماء على الحساب الخاص.. وهذا السؤال هو، كيف تستطيع أن تكون بديلا عن عشرات الممثلين لإيصال نفس الهدف على اعتبار أن المسرح لا بد أن يكون هدفه التفاعل مع قضايا وهموم الناس والمجتمع. المخرج الذي يتمتع بكاريزما الصوت والتمثيل نجح إلى حد ما في إيصال ما أراده المؤلف من توظيف الصراع الداخلي للإنسان وخصوصا المهمش الذي لديه أفكار كبيرة ولكن بجسد مريض أو متعب. المؤلف زهرة والمخرج شهاب قدما نصا مسرحيا جديدا كانت له رسالة فلسفية لتعرية الواقع وتعرية المجتمع وكشف ألوان المعاناة الإنسانية. كاتب من العراق

مشاركة :