الندوات الفكرية والفلسفية في العراق لم تعد حكراً على الرجالربما هي المرة الأولى التي تشهد فيها مدينة كربلاء العراقية إقامة أمسية فلسفية فكرية وسياسية في موضوعها، قدّمتها شابتان اختصتا بالأنشطة الثقافية، وتخترقان المألوف السائد في الأماسي الثقافية التي تقام في أغلب الأحيان للرجال، حيث تندر الجلسات الفكرية التي تقدمها نساء.العرب علي لفته سعيد [نُشر في 2017/07/28، العدد: 10705، ص(14)]امرأتان تستضيفان المفكر في كربلاء أقامت شابتان عراقيتان أمسية فكرية في مدينة كربلاء، خصصتاها لمناقشة وطرح تأمّلات في كتاب “أشياء لم تسمع بها أبدا” للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي. والشابتان هما نور جمعة العابدي، مقدمة الأمسية والناشطة الثقافية، فيما كانت المحاضرة نور عطا الله، وهي باحثة سياسية. نبذة عن تشومسكي الأمسية أقامها نادي القراءة الذي يسعى إلى ترسيخ فعاليات قرائية جديدة من خلال فتح مكتبة في أحد أضلاع مقره بعد أن جمع أكثر من 500 عنوان كتبرعات من الأدباء وبعض دور النشر، ليكون الكتاب متوفّرا لكل من يريد أن يستعيره من الشباب الذين لا يستطيعون شراء الكتب من المكتبات. العابدي مقدمة الأمسية قالت بداية إنها تشكر نادي القراءة لكونه فتح الباب أمام المرأة العراقية والكربلائية بشكل خاص، لكي تقدّم نفسها وتخترق ذكورية الأماسي الثقافية، وهذا أمرٌ مهم لأن المجتمع لا يمكن له أن يتطور بالانحصار في أحادية الجنس البشري. ثم قالت موضحةً فحوى الأمسية “إن نعوم تشومسكي يعتبر واحداً من المفكرين العشرة الأكثر تأثيراً في العالم، وله ما يزيد عن الثلاثين منشوراً في اللغويات، وأكثر من أربعين كتاباً في السياسة، ومئات المقالات والمقابلات”. وتضيف أن أصله اليهودي لم يمنعه من مهاجمة الصهيونية، كما لم تمنعه جنسيته الأميركية من فضح سياسات أميركا. الأمسية أقامها نادي القراءة الذي يسعى إلى ترسيخ فعاليات قرائية جديدة من خلال فتح مكتبة خاصة وتنظيم الندوات وتبيّن أن هذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة مقالاتٍ ولقاءاتٍ أجريت معه، وفيه يعبر عن آرائه السياسية التحررية الصادقة أشد الصدق، حيث كشف لنا عن نفاق الإدارة الأميركية في ادعائها بأنها أعظم ديمقراطية على وجه الأرض، ولديه أدلة كثيرة تؤكد رأيه أن الإدارة الأميركية تدّعي الديمقراطية، ولكنها تحت شعار حماية الأيديولوجيا الرأسمالية وتعمل على تطويق أي رأي اشتراكي”. المحاضرة نور عطا الله قالت من جهتها إنه من الأهمية ألّا تقف المرأة عند حدود معينة لأنها تسعى لكي تكون الطرف الآخر من صناعة الجمال والوعي والثقافة. وأضافت أن أهمية محاضرتها لا تكمن في ما ستقوله عن نعوم تشومسكي بل في ما تسعى إليه من أن تكون المرأة حاضرة ولها الجرأة في المشاركة في الأماسي الثقافية، بل في تقديمها محاضرة وإدارة. ثم بدأت عطا الله بتقديم نبذة عن تشومسكي وأسلوبه المعتمد في دراساته حيث اعتمد على التحليل الموضوعي العميق الذي يهتم بالأسباب البعيدة والقريبة للظواهر وتقديم الأدلة الوثائقية. ثم استعرضت أهم ما جاء في الكتاب من أفكار، مبتدئة بتعريف تشومسكي الساخر للإرهاب “الإرهاب هو ما يعتبره قادتنا كذلك”، وكيف ميز بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدول، معتبرا أن إرهاب الأفراد لا يشكّل شيئاً أمام إرهاب الدول، وأن الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الإرهابية القائدة في العالم. الحرب والحوار بينت المحاضرة أن تشومسكي تطرّق إلى مسألة عسكرة الفضاء من قبل الولايات المتحدة وما البرامج الصاروخية الدفاعية إلّا عنصر بسيط من هذا البرنامج الطموح. وتابعت الحديث عن العولمة الحقيقية التي تضع حقوق الناس الذين هم من لحمٍ ودمٍ على رأس أولوياتها، ولا أحد يعارض العولمة الحقيقية سوى بعض المتعصّبين. وميّز تشومسكي بين المعنى التقني للعولمة الذي يتّفق معه العمال والشركات، والمعنى العقائدي الذي خصّصه المدافعون عن أسلوب حقوق المستثمر في التكامل وحولوها إلى ما يدعى “اتفاقيات التجارة الحرة”. وتمضي عطا الله في محاضرتها قائلة إن تشومسكي يتحدّث عن التجارة الحرّة وانتهاكاتها التي حوّلت منظمة التجارة العالمية إلى ضمانات تسعيرية، وأنه ركّز على مقولة ثيوسيديدس “إن القوي يفعل ما يريد والضعيف يعاني كما يجب”. وتؤكد المحاضرة أن تشومسكي تحدّث عن مصطلح الحرب العادلة، وقال في كتابه إن أفعال العالم الحقيقي غالبا ما تفترض بديهة ثيوسيديدس وهذا ليس عادلا بشكل لا يتقبل الشكّ، كما أنه تهديدٌ فعلي لبقاء الجنس البشري، حيث تتجاهل الحقائق حتى الواضحة جدا.تشومسكي يرى النظام العالمي الجديد والحوار بين الأديان يشترطان على المجتمعات أن تنفتح وتتحاور وتبيّن المحاضرة أن هذا المفكر يرى أن التغير الاجتماعي لم يكن خطيّا؛ فكما يوجد تقدّم إلى الأمام خصوصا في مسألة المستوى العام للحضارة وما يشهده المجتمع من تطور في القيم كالدفاع عن حقوق المرأة والأقليات، هناك ردّ فعلٍ معادٍ سريعٍ جدا، حيث ظهرت أزمة الديمقراطية الزائدة. فتدنى الإيمان بالديمقراطية، وهذا ما أظهرته الاستطلاعات في أميركا اللاتينية، وذلك ليس لأن الناس لا يحبّون الديمقراطية، بل لأنهم لا يحبّون السياسات النيوليبرالية المضرّة التي رافقتها، رغم وجود بعض الاستثناءات. وتشير الباحثة العراقية إلى أن تشومسكي بيّن أن الفرق بيْن أوباما وبوش ليس فرقا جوهريّا؛ فأوباما يستخدم نفس عبارات بوش ولكن يتميز عنه بالحذر الشديد. وفي حديثها عن كتاب تشومسكي تكشف عطا الله أنه قال عن الرأسمالية إنها كالاشتراكية أفرغت من جوهرها، وإن انتصار الغرب في الحرب الباردة مع الكارثة الرأسمالية سيجبرها على الانتقال إلى نوعٍ آخر من التدخّل في الدول. كما تحدّث عن الطبيعة الإنسانية قائلا إنه يمكن ملاحظتها من خلال قدرات بينة لتطوير سمات عقلية محدّدة، كما نستطيع أن نجدها في منطقة المبادئ الأخلاقية، فالكل يتفقون على طبيعة الرذيلة والفضيلة وهناك الكثير من التنويع في حجم قياس الناس. وتطرقت المحاضرة إلى ما قاله تشومسكي في كتابه عن علاقة الدين بالسياسة، ورأت أنه يعتقد أن الدين يلعب دوراً أساسياً في السياسة وأنه القوة البكماء، لكن القلق الحقيقي يجب أن يكون من إساءة استخدام القوة من قبل الأقوياء أكثر من معتقدات الشعوب. وإن أفضل درسٍ نتعلمه هو فهم تقاطع الدين مع السياسة على أنه أعقد بكثيرٍ مما يبدو. وأفادت عطا الله بأن تشومسكي يرى النظام العالمي الجديد والحوار بين الأديان يشترطان على المجتمعات أن تنفتح إلى حدّ ما إن كانت تريد إنشاء حوار داخلي، وأن النظام العقائدي ضيّق جدا إلى درجةٍ لا يسمح فيها بطرح الأسئلة. إذا لم تتفهم البلدان الأكثر تحرّراً إلى درجةٍ تصبح فيها مستعّدة لمواجهة هذه الحقيقة الأولية، فلن يكون بالإمكان إجراء حوارٍ بين الأديان.
مشاركة :