بغداد: زيدان الربيعي رغم الخراب الكبير الذي حل بمدينة الموصل جراء سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي عليها لمدة ثلاث سنوات، وكذلك ما استدعته عملية تحريرها من قبل القوات الأمنية العراقية المختلفة بإسناد طائرات التحالف الدولي، من تدمير للبنى التحتية وكذلك للأسواق والمدارس والمنازل والجسور والطرقات، إلا أن أهل هذه المدينة يعشقون الحياة بشكل لا يوصف، حيث جعلوا من ذلك الخراب الكبير منطلقاً للبدء بإعمار مدينتهم وضخ الحياة من جديد فيها، بعد أن هجرها الأهلون وفضلوا النزوح إلى المخيمات في محافظات ومدن قريبة،خشيةً الوقوع في كماشة الموت، حيث عادوا بروح التحدي والإصرار على انطلاقة جديدة لحياة ثانية، بعد أن حاول التنظيم الإرهابي قتل كل شيء جميل في المدينة.رغم وجود الكثير من المنازل المهدمة والتي لا يمكن العيش فيها أو حتى على أطلالها، إلا أن أهالي الموصل عادوا إلى تلك المنازل وبدأوا خطوات أولى بغرض إعمارها رغم غياب الدعم الحكومي وكذلك دعم المجتمع الدولي، لأن هؤلاء الناس تيقنوا أن الحياة في مدينتهم، رغم الخراب الذي حل بها، لا تشبهها حياة أخرى في مدن ومحافظات بعيدة عنها، حيث تعاونوا فيما بينهم من أجل تهيئة مكان معين داخل المنازل المهدمة لجمع أسرهم لمدة معينة إلى حين انطلاق عملية الإعمار فيها وعودة العائلات إلى منازلها لتنعم بالراحة والاستقرار بعد سنوات من التهجير والنزوح والخوف والقلق والتشرد.عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى النائب عبد الرحمن اللويزي، قال إن «تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي يمثل انتصاراً كبيراً لكل الإنسانية في العالم، وهو فرحة كبيرة يجب أن نحتفل بها». وأضاف، أن «أهل الموصل رجال شجعان ويحبون الحياة، لذلك بدأوا فور عودتهم إلى منازلهم رغم الخراب الذي أصابها أو الأماكن التي تحيط بها، بممارسة الحياة بكل قوة وشجاعة، وهذه الممارسة تعطي أملاً كبيراً لكل أبناء المدينة الذين يترددون في العودة إليها ثانيةً، بأن يسرعوا في الرجوع لمدينة الموصل ومشاركة أبنائها في إعادة عمليات الإعمار مرة أخرى».وأكد اللويزي، أنه «من دون أدنى شك، فإن الخراب في مدينة الموصل كان كبيراً ولكن بهمة أهل الموصل وتعاونهم ستعود المدينة ثانية زاخرة وقوية، لكن هذا لا يمنع من القول إن مدينة الموصل، بل محافظة نينوى برمتها بحاجة ماسة إلى مساعدة المجتمع الدولي في إعادة إعمارها».وأشار إلى، أن «الجانب الأيسر من مدينة الموصل قد عادت فيه الحياة بشكل جيد، ونتمنى أن تعود الحياة إلى الجانب الأيمن وكل المدن العراقية التي تضررت من وجود تنظيم «داعش» الإرهابي فيها، لكن على الجميع الاستفادة من الدرس المرير الذي سببته سيطرة هذا التنظيم الإرهابي على بعض المدن العراقية، وعدم السماح لكل من يساند التطرف والإرهاب بأخذ مواقع قيادية في المستقبل، لأن الإرهاب عدو للجميع». عودة الحياة للموصل قال عضو مجلس محافظة نينوى، حسام العبار، إن «الحياة بدأت تعود إلى مدينة الموصل وتحديداً في الجانب الأيسر منها، لأن نسبة الضرر في هذا الجانب هي أقل من الأضرار في الجانب الأيمن، كما أن العائلات النازحة اضطرت للعودة إلى منازلها بسبب الأوضاع السيئة في مخيمات النزوح نتيجةً لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير جداً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار بدل إيجار المنازل من٥٠٠ ٦٠٠ دولار في الجانب الأيسر من مدينة الموصل وهذا الارتفاع غير مسبوق، لأن المنزل الذي كان بدل إيجاره الشهري في الأوضاع الطبيعية ٩٠ دولاراً أصبح الآن بدل إيجاره الشهري هو٢٥٠ دولاراً، مما يعني أن الارتفاع وصل إلى حوالي ثلاثة أضعاف رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لأهل مدينة الموصل». ونوه إلى أن «المشكلة التي تواجه أهالي المناطق المحررة في مدينة الموصل هي غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء التي تضررت كثيراً وانقطعت أسلاك وخطوط النقل، بالإضافة إلى تدمير محطات التوليد والتقوية، ولكن ما زالت المولدات الأهلية تعمل بصورة جيدة، وتقوم بتوفير التيار للمواطنين وتعوضهم عن غياب الكهرباء الحكومية»، مشيراً إلى أن «هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمياه التي دمرت خطوط شبكة نقلها، بسبب قصف الطائرات للكثير من الأماكن في المدينة، وما زالت الدوائر الحكومية تعمل على إصلاحها الآن وتحتاج إلى مدة شهر تقريباً حتى تنجح في عملية إصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه». ولفت إلى أن «قطاع الصحة في مدينة الموصل تضرر كثيراً، وهناك العديد من المستشفيات تعطلت عن العمل بعد تعرضها للقصف من قبل طائرات التحالف الدولي، حيث توجد الآن ثلاثة مستشفيات في الجانب الأيمن لمدينة الموصل يعمل واحد منها فقط، بينما تم تدمير البقية»، منوهاً إلى، أن «محطات الوقود في مدينة الموصل تعمل حالياً بانسيابية جيدة وتزود السيارات بالوقود وبالأسعار نفسها في المحافظات العراقية الأخرى».وأشار العبار، إلى أن «قضية عدم تسليم الرواتب للموظفين في مدينة الموصل أثرت كثيراً في حياة الناس، وعندما تقوم الحكومة بتسليم رواتب الموظفين سيؤدي ذلك إلى تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية في عموم المدينة، وهذه الخطوة يجب الإسراع بها قدر الإمكان، لأن سكان الموصل تعرضوا إلى أضرار كبيرة جداً خلال السنوات الثلاث المنصرمة، وبالتالي لابد من تركيز الاهتمام بهم وعدم تركهم ينتظرون أكثر وأكثر». حياة طبيعية لا تخلو من الصعوبات يقول المواطن صالح إلياس وهو من سكان الجانب الأيسر لمدينة الموصل، «تقريباً الآن، انتهت عمليات تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم «داعش»، إذ إن الحياة في الجانب الأيسر أصبحت طبيعية جداً، لأن مساحته تشكل نصف مساحة مدينة الموصل أو أكثر، فالزخم السكاني في الجانب الأيسر أكبر من الجانب الأيمن، لأن موجة النزوح من الجانب الأيمن إلى الأيسر كانت كبيرة جداً على اعتبار أن المعارك في الجانب الأيمن لم تنته إلا قبل أيام قليلة جداً، فضلاً عن ذلك فإن وجود الخدمات في الجانب الأيسر مثل الكهرباء والماء إلى حدٍ ما، جعل سكان مدينة الموصل يتواجدون بكثرة في الجانب الأيسر، ما أدى إلى حصول زخم سكاني كبير في هذا الجانب لم يكن يحصل لو أنه تم تحرير الجانب الأيمن قبل هذه المدة الزمنية».وأضاف إلياس، «الحركة التجارية في الجانب الأيسر من مدينة الموصل طبيعية للغاية، بل ونشطة جداً،ومثل ما ذكرت أن الغالبية العظمى من مناطق وأحياء الجانب الأيسر من مدينة الموصل تتوافر فيها خدمات الماء والكهرباء والأسواق والمحال التجارية، فضلاً عن وجود المولدات الأهلية التي بدأت تعمل بعد أن تم توفير الوقود لأصحابها من أجل أن تقدم الخدمة للمواطنين العائدين إلى منازلهم ومحالهم التجارية، لكن هناك مشكلة بدأت تتضح أكثر و أكثر وهذه المشكلة تتمثل في أزمة السكن، ما أدى إلى ارتفاع أسعار بدلات الإيجار بسبب موجات النزوح الكبيرة التي حدثت من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر».وأكد، أن «الجانب الأيمن تعرض إلى دمار كبير بسبب العمليات العسكرية والعمليات الإرهابية التي قام بها «داعش»، لكن أيضاً هناك عودة للحياة رغم كل الدمار القائم، إلا أنه لا يمكن نكران وجود نقص في خدمات الماء والكهرباء على وجه الخصوص».وتابع، أن «أغلب المنازل في الجانب الأيسر مدمرة بالكامل وأيضاً عدد كبير من السيارات مدمرة وقد تم حرقها من قبل تنظيم «داعش» من أجل تأخير تقدم القوات الأمنية مع بدء العمليات العسكرية الرامية لتحرير المدينة من قبضة التنظيم».وأشار إلى أن «الجانب الأيمن من مدينة الموصل يحتاج إلى حملة إعمار كبيرة جداً وسريعة في ذات الوقت، لأن العائلات لا تستطيع العيش خارج منازلها بسبب عدم وجود أشغال داخل المدينة، وعليه لا أعتقد أن الحكومة العراقية قادرة على تبني الموضوع في الوقت الراهن على أقل تقدير، لذلك لا بد أن يكون هناك دور للمجتمع الدولي بإعمار الجانب الأيمن من مدينة الموصل، خاصةً أن الجانب الأيمن يضم مجمعاً طبياً كاملاً (مدينة الطب)، حيث توجد أكثر من 10 مستشفيات داخل هذا المجمع الطبي الكبير، وهذا المجمع تعرض إلى الدمار بنسبة 90% وهذا الأمر مهم جداً،وأتمنى أن يتم تسليط الضوء عليه من قبل وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وكل من له القدرة على إثارة هذا الموضوع الذي يتعلق بالوضع الصحي لسكان مدينة الموصل بجانبيها الأيمن والأيسر على حد سواء».وأوضح، أن «الجانب الأيمن لمدينة الموصل كان يمثل المركز التجاري الرئيسي للمدينة، والمتمثل في منطقة باب الطوب وباب السراي وهذه المنطقة قريبة من الموصل القديمة، وهذه المناطق كلها تعرضت إلى الدمار والخراب بسبب العمليات العسكرية، لأن تنظيم «داعش» كان يتحصن بها».ولفت إلى أن «نسبة كبيرة جداً من سكان الجانب الأيمن هم الآن في الجانب الأيسر أو في مخيمات النزوح، وحسب الأرقام وصل عددهم إلى 900 ألف مواطن (ليس كلهم من محافظة نينوى)، وهذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير من أجل إقناع الناس بالعودة إلى منازلهم، وهذا لا يتم إلا عن طريق عودة الخدمات إلى الجانب الأيمن وخصوصاً التيار الكهربائي والماء الصافي».وبيّن الياس، أن «نسبة كبيرة من موظفي مدينة الموصل هم حالياً من دون رواتب، وهم الآن قد باشروا الدوام في دوائر الدولة الرسمية وباتوا ينتظرون الموافقات الأمنية التي ستصدر من السلطات الحكومية حتى يتم صرف رواتبهم، علماً أن تأخير استلام الرواتب يشكل ضغطاً كبيراً على الموظفين، لأنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ حوالي ثلاث سنوات بسبب دخول تنظيم«داعش» لمدينة الموصل، وحالياً هم أيضاً من دون رواتب، لأن أغلب الوزارات تأخرت في توزيع الرواتب بسبب الموافقات الأمنية وهذا يؤثر في خط النشاط الاقتصادي داخل المدينة. وبالتالي لا بد من إيجاد حل سريع جداً إلى موضوع الرواتب حتى تعود الحياة إلى طبيعتها في كل أنحاء الموصل».ولفت إلى أنه «بعد تحرير أي منطقة من مناطق مدينة الموصل فإن بعض المنازل تكون مفخخة وفيها عبوات ناسفة زرعها تنظيم «داعش» قبل طرده من المدينة، وهذا الموضوع يتعلق بالقوات الأمنية العراقية، فهي تحاول مع تحرير أي منطقة أو حي البدء بتمشيط المنطقة وتقوم بتفكيك العبوات الناسفة، لكن رغم كل هذا الجهد الذي بذله أعضاء فرق الهندسة العسكرية ما زال هناك حتى في المناطق المحررة عبوات ناسفة ملقاة على الأرض بصورة واضحة أو مخفية، وهذه العبوات ربما تسبب مشاكل كبيرة للمواطنين في المستقبل، لأن عملية تنظيف المناطق السكنية من مخلفات الحرب أمر ليس بالسهل».وعن مدى وجود مخاوف لدى سكان مدينة الموصل من احتمالات عودة تنظيم «داعش» إليها مرةً أخرى، قال إلياس، «بالتأكيد هناك مخاوف من عودة «داعش» مرةً ثانية إلى مدينة الموصل، وأيضاً هناك مخاوف أخرى من الخلايا النائمة التي تسلل البعض منهم إلى الجانب الأيسر من مدينة الموصل، والبعض من تلك العناصر موجود في الجانب الأيمن من المدينة، فقبل أسبوعين تقريباً حدثت حادثة في أحد الأحياء التي تم تحريرها، عندما ظهرت بعض العناصر من «داعش»، لكن القوات الأمنية فرضت سيطرتها على الوضع في ذلك الحي ولم تسمح لتلك العناصر بأن تعبث بحياة المواطنين الذين يسكنون فيه. علماً أن التعاون من قبل المواطنين المدنيين مع الجهات الأمنية والعسكرية أصبح كبيراً، حيث أصبح المواطنون يبلغون عن أي محاولة مشبوهة، أو أي عنصر من عناصر تنظيم «داعش» يتواجد في الجانب الأيسر أو الجانب الأيمن، وهذا واضح على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث تم نشر أسماء وصور عناصر تنظيم «داعش» ونتمنى أن تستثمر الحكومة والقوات الأمنية ذلك النشر لغرض القضاء على ما بقي من عناصر «داعش»، لأن بقاءهم خارج السجون يمثل تهديداً حقيقياً على الوضع الأمني في مدينة الموصل من دون أدنى شك».وبشأن الصعوبات التي تواجه سكان مدينة الموصل الذين عادوا إلى منازلهم أكد أنه «مثل ما ذكرت فإن الصعوبات التي تواجه السكان، هي صعوبات تتعلق بالخدمات، وصعوبات تتعلق بالعمل، فالغالبية العظمى من الناس يعانون من البطالة، وهذا بالتأكيد يؤثر في الوضع النفسي للناس. فمرحلة ما بعد التحرير تحتاج إلى مرحلة إعمار وبناء، وهذا البناء سيسهم في تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية وتكون هناك فرص عمل كثيرة لمختلف شرائح المجتمع في المدينة، وهذا أعتقد حلاً مهماً جداً، والوضع أكيد سيئ الآن وهناك آلاف من الناس في المخيمات،وهذا وضع ليس طبيعياً، حيث من المفترض أن ينتهي بمجرد الإعلان عن النصر وتبدأ حملات البناء والإعمار خاصةً في الجانب الأيسر حتى يعود الناس لمنازلهم وهم آمنون ولديهم بارقة أمل في التخلص من كل ما حصل خلال السنوات الثلاث الماضية». الحياة طبيعية رغم الجمود إما يونس زياد وهو من مواليد 1993، طالب في كلية التربية قسم علوم حاسبات، فقال: «لولا دخول تنظيم»داعش«لمدينة الموصل لكنت الآن متخرجاً من تلك الكلية قبل عامين. إذ إن أول ما قام به تنظيم داعش هو إيقافه لجميع المؤسسات التعليمية واستخدم بدلاً عنها مناهجه المقيتة المبنية على الفكر التكفيري المنحرف. حيث سرعان ما بدأت داعش بالتنكيل بنا وأصبح دم الموصلي رخيصاً جداً. فنحن الشباب قضينا معظم السنوات الثلاث الماضية تقريباً في البيت خشية التعرض للأذى.فقد كانت عناصر»داعش«كلاباً مسعورة، سلبوا منا الحرية والفكر والبيوت والأموال ووطنيتنا وكل شيء باختصار. واذا اطلعت على تاريخ الموصل منذ نشأتها وإلى الآن،تجد أنه لم تمر حقبة مظلمة على المدينة كحقبة»داعش«.وأضاف أن»الوضع الآن في مدينة الموصل مستقر لدرجة كبيرة، فالخدمات مثل الماء والكهرباء بدأت تعود نوعاً ما إلى طبيعتها السابقة، ما عدا بعض المناطق القريبة على الجانب الأيمن لمدينة الموصل فلم تكتمل فيها الخدمات، وهنا لابد من الإشادة بدور القوات الأمنية التي بذلت جهداً كبيراً على غرار ما كانت عليه قبل 2014 بدأت أركان الثقة تعود بين المواطن والأجهزة الأمنية،وهناك تلاحم حقيقي بهذا الصدد».وعن أسعار المواد الغذائية والبضائع والسلع داخل مدينة الموصل أكد، أن» الأسعار بالمجمل عادت إلى طبيعتها لكن هناك جموداً نوعاً ما في الأسواق، لأن الموصل أغلب سكانها موظفون في دوائر الدولة وإلى الآن هناك تلكؤ كبير في صرف رواتب الموظفين،وهناك معاناة حقيقية، فقد سلبت من الموظفين مستحقاتهم قرابة ثلاث سنوات، فهناك حوالي 80 %من شريحة المجتمع داخل مدينة الموصل أصبحت منهكة. ومعظم نازحي الجانب الأيسر عادوا إلى بيوتهم، إلا من تهدم بيته أو يلاقي صعوبة العودة في هذا الوقت.وشدد على أن «حالياً الجانب الأيسر من مدينة الموصل الوضع فيه مستقر، فيما يخص الألغام ومخلفات الحرب، فضلاً عن عودة الحركة التجارية والاقتصادية بشكل تدريجي إلى الأسواق». أموال طائلة للإعمار ذكر المواطن من مدينة الموصل كنان الحوري، أنه«في البدء لابد من الإشارة إلى أن أهل الموصل بدأوا بعمليات إعادة الإعمار فور تحرير أي منطقة في المدينة، واذا زرت شوارع الموصل في الجانب الأيسر تكاد لا تلاحظ أي شيء من آثار المعارك، وذلك كله بفضل القائمين على الدوائر الخدمية المتمثلة في البلدية والماء والمجاري والكهرباء والتعليم والصحة، ومع قلة الإمكانات استطاعوا إعادة الحياة إلى المدينة وهذا مؤشر إيجابي سيسهم مساهمة فعالة في إعادة الحياة إلى مدينة الموصل».وأضاف، «نستطيع القول إن نسبة الخدمات الضرورية المتوافرة في الجانب الأيسر من مدينة الموصل قد تصل إلى حوالي 90 % ونأمل في المزيد خلال الأسابيع المقبلة». وأردف، أنه «من الضروريات التي يجب الاشارة إليها أن نتاج هذه المعارك أحدث نوعاً فريداً من العلاقات الطيبة والثقة المتبادلة بين القوات الأمنية والمواطنين المدنيين، والآن بدأت حملات تثقيفية تعليمية تطويرية للتخلص من الفكر المتشدد والكل يشعر بأنه مسؤول عما جرى لمدينة الموصل من دمار وخراب وقتل وتشريد ونزوح بسبب السكوت سابقاً ويطمح لعدم تكرار حدوث أي خرق مستقبلاً».ولفت الحوري، إلى أن «مدينة الموصل وبعد الخراب الذي حل بها جراء سيطرة تنظيم «داعش» عليها لمدة ثلاث سنوات كاملة وكذلك ما تعرضت له من ضربات جوية كثيرة، وكذلك حرب تحريرها، فإنها تحتاج إلى التفاتة حقيقية من قبل المجتمع الدولي لكي يتم إعادة إعمارها من جديد، لأنها تحتاج إلى أموال طائلة حتى تعود كما كانت أو أفضل». الحياة عامرة قرب ساحات القتال الصحفي العراقي عبد الهادي مهودر ذكر خلال زيارته المدينة القديمة في الموصل قبيل إعلان بيان النصر من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي في العاشر من الشهر الحالي، أن «المفاجآت كانت مثيرة للدهشة فلم أتوقع أن أجد حياة في الموصل، وأدهشني استمرار الحياة في مناطق قريبة من ساحة القتال وفي سوق المدينة القديمة ومطاعمها الصغيرة ومقاهيها... أما الساحل الأيسر فكان شكلاً مختلفاً جداً وأكثر حيوية وسوقه الرئيسي عامر بكل شيء وبأسعار أقل من أسعار المواد الغذائية في بغداد بنحو ٥٠ بالمئة وأكثر».وأضاف، «إضافة لمناطق زراعية شاسعة ومستثمرة بشكل جيد على ضفة دجلة... هناك عوائل كثيرة لم تبرح أماكنها وبقيت شاهدة وصامدة وبيوت شامخة وسالمة وسط الحطام لعائلات حالفها الحظ وعائلات أخرى ترفع الأنقاض لتعيش من جديد». ورأى مهودر، أنه «رغم أن الموصل القديمة خارجة للتو من الحرب فثمة حركة لافتة ونشطة لعمال البلدية الذين يمدون أنابيب الماء والمجاري غير مكترثين بأي شيء... وكلام كثير مما يجب أن يقال عن موصل ستتغير كثيراً عما كانت عليه، وأتوقع خلافاً لكثيرين أنها ستكون محافظة مستقرة، فهناك رأينا شعباً يريد أن يعيش، ولا تموت مدينة فيها دجلة». محاربة القبح بالثقافة ستار محسن علي، صاحب مكتبة ودار «سطور» للتوزيع والنشر في بغداد كان له دور كبير في إشاعة مفهوم المحبة والثقافة والتعايش السلمي في محافظة نينوى وكذلك في المحافظات العراقية الأخرى، وأرسل مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة التي تعنى بالفكر والأدب والثقافة إلى الجانب الأيسر من مدينة الموصل من أجل إقامة معرض للكتاب ومهرجان ثقافي وفني كبير هناك بمناسبة تحرير المدينة من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي.وذكر ستار محسن علي، أنه«بعد الهجمة الظلامية الكبرى التي تعرض لها العراق بعد احتلاله من قبل قوات الاحتلال الأمريكي البغيض وبروز ما يعرف بالإسلام السياسي وتفشي الفتنة الطائفية والمذهبية والفساد المالي والإداري وقيام السلطات بمحاربة كل أنواع الجمال وأسس المحبة عبر نشرها سموم الفرقة المذهبية والعرقية والطائفية، ما أدى إلى بروز تنظيم «داعش» الإرهابي وقيامه بالسيطرة على الكثير من المدن العراقية، لذلك كان يجب علينا كمثقفين عراقيين أن نقف في وجه كل أنواع القبح والظلام والخراب والدمار من خلال المساهمة بنشر الثقافة والأدب والفنون والمحبة والتعايش السلمي بين أبناء الشعب العراقي. وقد وجدت تقبلاً كبيراً لكل الأفكار التنويرية التي قمت بطرحها عبر تعاون لجان تطوعية مختلفة معي من خلال إقامة معارض الكتب والمهرجانات الفنية والثقافية المختلفة في الكثير من المدن التي كانت تقع تحت سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي».وأضاف أن «مكتبتنا والكثير من أصدقائنا تبرعوا بمئات الكتب إلى مكتبة جامعة الموصل في محاولة لإعادة الحياة لها بعد أن تعرضت إلى الحرق على يد عناصر تنظيم «داعش»،وهذه الخطوة مساهمة بسيطة من أجل إعادة الحياة الثقافية والعلمية إلى جامعة الموصل العتيدة التي تعد من أهم وأرقى الجامعات في العراق وكذلك في المنطقة».وتابع: «لقد أرسلت قبل أيام مئات الكتب إلى اللجنة التحضيرية لمهرجان القراءة الذي سيقام في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، حيث سنحاول من خلال هذا المهرجان ترسيخ مبدأ الثقافة والفن وحب الحياة والتسامح والتعايش السلمي بين مكونات الموصل، هذه المدينة التاريخية التي لم تعرف التطرف سابقاً، لأنها مدينة علم وحضارة وتاريخ، وبالتالي يجب أن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً وبأسرع وقت ممكن. حيث فرحت كثيراً عندما شاهدت وجود حملة داخل مدينة الموصل أطلقها شباب الموصل تحث وتدعو إلى عودة سكان المدينة من المسيحيين الذين قام تنظيم «داعش» بتهجيرهم من مناطقهم ومصادرة منازلهم وأموالهم بشكل تعسفي، وهذه الدعوة تمثل أكبر رد على كل فكر متطرف وإرهابي يريد أن يفرق بين أبناء الشعب العراقي الواحد».وأردف، «حقيقة أنه ورغم كل الهجمة الظلامية التي تعرض لها الشعب العراقي، لكني ومن خلال اتصالاتي المستمرة مع الشباب في المدن التي خضعت لسيطرة تنظيم «داعش» خلال السنوات الثلاث الماضية، أشعر بأمل كبير وتفاؤل أكبر، بأن هذه الهجمة الشرسة رغم قسوتها وظلمها على العراقيين، إلا إنها كانت هجمة عابرة ولم ترسخ في أذهان العراقيين ولم تسهم في تغيير نظرتهم إلى الحياة أو إلى بلدهم العريق والكبير، مما يعني أن القبح والإرهاب والدمار لا توجد له بيئة حاضنة في عموم العراق رغم محاولة جهات دولية ومحلية ترسيخ هذا القبح في النفس العراقية، إلا أن تلك الجهات لم تفلح في مسعاها هذا، وسينتصر العراق وتنتصر الحياة، كما تنتصر فيه كل الفنون الجميلة والحياة الهانئة والسعيدة، لأنه بلد التاريخ والحضارات والحياة والأمل والإنسانية والعلوم».
مشاركة :