تجربة البعث زمن البكر وجمهوريته كانت مختلفة عن مرحلة بعث صدام، فعبر ذكرياته مع الرئيس البكر يسلط الكاتب الضوء على شخصية الرجل وتأثيرها على الأحداث التي شهدتها البلاد.العرب ليث الحمداني [نُشر في 2017/07/17، العدد: 10694، ص(7)]أخطاء الساسة يدفع ثمنها البسطاء يطرح عضو القيادة القطرية لحزب البعث العراقي وعضو مجلس قيادة الثورة طاهر توفيق ضمن كتابه “انهيار العراق المفاجئ وتداعياته” تقييما لتجربة حكم البعث بين حقبتي الرئيس أحمد حسن البكر والرئيس صدام حسين. يأخذ كتاب طاهر توفيق شكل المذكرات الشخصية لصاحبه الذي حاول عبرها رصد أبرز المحطات في التاريخ العراقي عبر تجربته السياسية، طارحا مقارنة بين ما اعتبرها جمهورية البكر وجمهورية صدام. وأصدر توفيق مذكراته بالتأكيد على أهمية النقد الذاتي للتجربة، معتبرا أن “الخطأ من البعثيين وليس من البعث والتجاوزات لم تكن من فعل العقيدة بل من فعل حملتها”، ربما إدراكا منه بشكل مسبق بما قد يتعرض إليه من هجمات من جانب بعض الأطراف البعثية. ونلمس بين تفاصيل المذكرات اتجاه الكاتب إلى التأكيد على أن تجربة البعث زمن البكر وجمهوريته كانت مختلفة عن مرحلة بعث صدام، فعبر ذكرياته مع الرئيس البكر يسلط الضوء على شخصية الرجل وتأثيرها على الأحداث التي شهدتها البلاد، حيث تميز البكر “بقدر كبير من التجربة والحكمة والتواضع والكياسة والصدق” ولم تكن له بطانة من المقربين فيما عرف عنه حرصه الشديد على منع أولاده من التدخل في شؤون الدولة ودوائرها واستغلال صفاتهم. ويضرب توفيق أمثلة كثيرة على زهد الرئيس البكر وتقشفه وعدم حبه للمظاهر ومنها أن دورا شيدت لسكن أعضاء القيادة القطرية خصصت أكبرها لأمين سر القطر رئيس الجمهورية، إلا أنه رفض السكن فيها لأنها تفوق حاجته بعد وفاة زوجته وتنازل عن البيت لأحد أعضاء القيادة القطرية. ويشدد توفيق على نهج النزاهة والشفافية الذي أرساه البكر خلال رئاسته حيث ترك الرجل “للعراقيين دولة في غاية النزاهة والانضباط فكانت نظافة اليد سمة بارزة تجدها لدى الشرطي والعامل والموظف الصغير والكبير وحتى الوزير”.مذكرات شخصية ترصد أبرز محطات التاريخ العراقي ويتوقف المؤلف عند طبيعة العلاقة ما بين البكر ونائبه صدام حسين والتي كانت تطغى عليها الاختلافات “بسبب اختلاف العقلية ونمط التفكير”، ويروي تفاصيل حادثة غضبه على صدام ومنعه من دخول القصر الجمهوري ما أدى إلى لجوء صدام إلى منزل أحد أصدقائه حيث ظل هناك إلى أن صالحه البكر. وتجلت أخطر مظاهر الخلاف بين الرجلين بشأن مشروع الوحدة مع سوريا والذي كان البكر من المتحمسين له في مقابل تحفظ ورفض نائبه. وبين توفيق أن “البكر كان مستعدا للتنازل عن كل مواقعه لإقامة الوحدة” فتدخل صدام قائلا “أبوهيثم (كنية البكر) يريد أن يبيعنا لحافظ الأسد فرد البكر أنأ ما بعتكم ولن أبيعكم”. لكن تبدو جمهورية صدام حسين مختلفة تماما عن جمهورية البكر فقد احتلت العائلة السلطة بعد أن صفى صدام حسين رفاقه المتميزين حزبيا، ويقول طاهر توفيق عن جمهورية بعث صدام “كان الرئيس صدام حسين ملتزما بأهله وأقاربه وأفراد عشيرته بل وحتى أصدقائه وكثيرا ما كان يتغاضى عن الخروقات التي يرتكبها أقرباؤه وأبناء عمومته”. ويلفت توفيق إلى أن “صدام كان على علم بأن بعض أقربائه يستغلون صفاتهم للكسب غير المشروع من الكويت وتمرير معاملات غير سليمة في دوائر الدولة وكان يشتكي من ذلك ولكنه لا يردعهم”. أما عن النزعة الانفرادية لصدام في اتخاذ القرارات فيستشهد المؤلف باجتماع للقيادة القطرية لمناقشة تصاعد الأزمة بين العراق وإيران بعد تكرار عملية القصف الإيراني لمدينة خانقين، حيث فاجأ صدام المجتمعين بالقول “الآن بدأ النشامى يضربون إيران” مؤكدا أن الاجتماع كان بقصد استكمال متطلبات شكلية. ويتناول الكتاب أيضا في فصول أخرى أحداثا عايشها الكاتب في تجربته السياسية بالقول “في عام 1989 زار صدام مدينة الموصل وكنت محافظا لها وكانت الحرب مع إيران قد انتهت منذ فترة ليست طويلة وجماهير شعبنا تنتظر حياة جديدة تنتشلها من ويلات الحروب وخسائرها المادية والبشرية وكانت تأمل الكثير من قيادة البلد ومن الرئيس صدام حسين بالذات”. وفي هذه الزيارة قال صدام حسين “اطلبوا ما شئتم من مشاريع لأننا بعد فترة سيكون لنا برلمان يضع ضوابط تصرف وحركة الدولة وسياقات صارمة تمنع العمل بالصيغ الاستثنائية وتنهي الحالة التي فرضتها ظروف الحرب”، إلا أن المؤسف أن بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة أخذوا يتباكون على التفريط بمجلس قيادة الثورة واعتبروه رمزا للثورة، الأمر الذي دفعه إلى ترك الموضوع. وينقل طاهر توفيق ملاحظاته عن مرحلة سجنه ومحاكمته مع صدام بعد الاحتلال الأميركي للعراق ويقول “لاحظت خلال محاكمتنا أن قناعة الرئيس صدام حسين ببعض الأشخاص غير موضوعية فقد كان مرتاحا لأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لأنه استقبل عائلته باعتناء وحفاوة”.
مشاركة :