قيادة البعث اعتبرته خائنا لخروجه من الحزب وتحالفه مع عبدالناصر. العربليث الحمداني [نُشرفي2017/01/05، العدد: 10503، ص(7)] لم يكن فؤاد الركابي شخصا عاديا مر في حياة الحزب يقدم الصحافي سيف الدين الدوري توثيقا لحياة ونشاط فؤاد الركابي أحد أبرز مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، في كتابه “فؤاد الركابي ضحية الحزب الذي أسسه”، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ولأن سيف الدوري نشأ في عائلة بعثية وعمل في صفوف حزب البعث لسنوات طويلة، بما مكنه من تقييم جوانب عديدة من تجربة حكم حزب البعث في العراق، فقد سعى في كتابه لتوثيق آراء العديد ممن غادروا الحزب في الستينات والسبعينات. لم يكن فؤاد الركابي شخصا عاديا مر في حياة الحزب، بل يمكن القول إن الشارع العراقي عرف بشكل واسع حزب البعث من خلال مشاركة الركابي في اول وزارة شكلت بعد الإطاحة بالنظام الملكي في عام 1958. ولد الركابي في مدينة الناصرية التي شهدت بدايات العديد من الحركات السياسية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي. ومال منذ مطلع شبابه لحزب الاستقلال وهو الحزب الذي يعد أحد أعمدة العمل السياسي والوطني في العراق قبل 14 يوليو 1958، ولكن الركابي لم يرتبط بالحزب وسنحت له الفرصة كما يقول المؤلف لرؤية الشيوعيين ونشاطاتهم العملية عندما كان في مدينته الناصرية وبعد انتقاله منها. دخل كلية الهندسة عام 1949 وفيها تعرف على حزب البعث وانتمى إليه رسميا عام1950. ويقول المؤلف “ليس واضحا كيف نجح بعد ذلك بسنة واحدة في الإمساك بأزمة الحزب وقد يكمن جزء من التفسير في قدرته على النفوذ في الآخرين”. كان عدد أعضاء الحزب يومها حوالي 50 عضوا عام 1951 وزاد إلى أكثر من الضعف في منتصف عام 1952. كما تم الاعتراف به من الحزب الرئيسي في سوريا. وينقل سيف الدين الدوري عن حنا بطاطو، أبرز مؤرخي الحركة الحزبية في العراق أن عدد الأعضاء بلغ 389 في يونيو 1955 عدا المؤيدين. وينتقل سيف الدين الدوري في توثيق مسيرة الركابي بين أقوال فائز إسماعيل البعثي السوري الذي وصل العراق في منتصف أربعينات القرن الماضي ونشر أفكار حزب البعث عن طريق جريدة البعث الدمشقية، وعبدالستار الدوري الذي ظل لسنوات قياديا في الحزب حيث تحدث بالتفصيل في كتابه “أوراق عتيقة من دفاتر حزب البعث” عن مسيرة فؤاد الركابي مع البعث منذ انتمائه إلى الحزب وحتى خروجه وظروف العمل الصعبة، أيضا ينقل الكاتب شهادة حسين معلة الذي يشير إلى أن الركابي كان ضمن المجموعة الحزبية التي يقودها التونسي أبوالقاسم كرو. صورة لمسيرة العشرات من المناضلين الذين تخلصت منهم أحزابهم (الثورية) لأنهم اختلفوا معها في الرأي والموقف السياسي ويشير إلى تشكيل أول قيادة قطرية للحزب في عام 1953 والتي ضمت فؤاد الركابي إلى جانب تحسين معلة وفخري قدوري وفيصل حبيب الخيزران وجاسم محمد، وشغل فؤاد الركابي أمين سر القطر وتحسين معلة نائباً له. ويشير معلة إلى أن الركابي واجه أول تكتل ضده قاده فيصل حبيب الخيزران وفخري قدوري وعلي صالح السعدي وعبدالستار الدوري وآخرون طالبوا بانتخابات حزبية، حيث عقد المؤتمر القطري الأول وانتخبت فيه قيادة جديدة تشكلت من فؤاد الركابي وتحسين معلة وعلي صالح السعدي وشمس الدين كاظم وجعفر قاسم حمودي وعبدالله الركابي وفاهم كامل الصحاف وصالح شعبان، وهي أول قيادة قطرية منتخبة للحزب في العراق. ويمكن القول إن بواكير العمل الحزبي حملت معها كل أمراض العمل السري ورافقته حتى بعد انتقالها للعلنية بشكل أو بآخر. وتغطي صفحات الكتاب الصراع الدامي الذي دار بين البعث والشيوعيين بعد 14 يوليو لتصل إلى محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، حيث تتناول دور الركابي في التخطيط لتلك العملية وفيها يرد اسم الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأول مرة ضمن تاريخ الحزب بوصفه أحد المنفذين لعملية الاغتيال. ويشير الكاتب إلى شهادة إياد سعيد ثابت حول معرفة القيادة القومية بالخطة، رغم أن تلك القيادة نفت ذلك في ما بعد. كما يشير إلى مداهمة الوكر الذي لجأ إليه المنفذون واعتقالهم في ما بعد ومغادرة الركابي إلى سوريا بعد أن حكم عليه بالإعدام غيابيا. توثيق لحياة ونشاط فؤاد الركابي ومن شهادة لحازم جواد ينقل الكاتب أن “فؤاد الركابي ابتهج بوصول الشاب صدام حسين إلى سوريا وقال لي أنا أريد أن أكرم الأخ صدام فأجبته أننا لا نملك شيئاً فكيف نكرمه، الطريقة الوحيدة التي تستطيع تكريمه بها هي أن نقبله عضوا عاملا في الحزب، أراد فؤاد تكريم صدام حسين وتجاوز الإجراءات الحزبية التي تقضي بتأييد اثنين لقبول الشخص الجديد، قال الركابي أنا أرشح صدام وأنت تثني على اقتراحي وافقت فالشاب ساهم في العملية وجرح ورغم ذلك نظم بنفسه رحلة فراره إلى سوريا”. يتناول سيف الدين الدوري بالتفصيل نقطة تحول في حياة فؤاد الركابي السياسية بعد عملية فصل القيادي الأردني عبدالله الريماوي من حزب البعث في المؤتمر القومي الثالث، وهو الرجل الذي شكل تيارا سياسيا مؤيدا لسياسة الجمهورية العربية المتحدة وقيادة الرئيس جمال عبدالناصر وكيف أصبح فؤاد الركابي أحد رموز هذا التيار الذي دعى إلى حل حزب البعث والالتحاق بسياسة عبدالناصر. ويشير الكتاب الى رفض أعضاء القيادة العراقيين لهذا التوجه باستثناء فؤاد الركابي، ولاحقا فصل الركابي في المؤتمر القومي الرابع من الحزب وقام بتشكيل قيادة مع عبدالله الريماوي سميت (القيادة الثورية). وينقل شهادة للنقابي العراقي القومي عمر البجاري في هذا المجال الذي يتحدث عن مسيرة الركابي في ما بعد وهي مسيرة رافقه فيها في السنوات اللاحقة. يقول المؤلف سيف الدوري “بدت الاتهامات التي تعرض لها الركابي قاسية وظالمة جدا وعاطفية أكثر منها موضوعية، وذلك من خلال بيانات القيادة القومية والمؤتمر القومي الرابع الذي قرر فصل الركابي بناء على توصية رفعها المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث في العراق”. ويستعرض الكتاب عمليات التعذيب التي تعرض لها الركابي على يد (رفاق الأمس) في قصر النهاية والحكم عليه بالسجن سنتين، ثم يتحدث عن اغتياله في السجن وعن تشييعه ويوثق الكتاب نشاطات الركابي في سنواته الاخيرة، حيث دعى إلى قيام جبهة وطنية وتقدمية في يونيو عام 1969 وهاجمت حركاته السياسية سلطة البعث الثانية. إن مسيرة فؤاد الركابي التي وثقها سيف الدين الدوري هي صورة لمسيرة العشرات من المناضلين الذين تخلصت منهم أحزابهم (الثورية) لأنهم اختلفوا معها في الرأي والموقف السياسي، مشكلة الأحزاب التي تدعي (الشرعية الثورية) أنها أحزاب بلا حياة داخلية نزيهة بحيث يسهل أن تصبح أداة بيد حاكم أو قائد عسكري فيختصرها بشخصه ثم يدمر تاريخها بافعاله، وهذا الامر تعاني منه حركات الإسلام السياسي التي ورثت الأحزاب (الثورية) في الشارع وفي السلطة بشكل أكثر بشاعة، حين تتعامل مع من يختلف معها فكريا من كوادرها لأنها تستند في تخوينه على نصوص لا علاقة لها بصيغ العمل الحزبي والخلاف الفكري فتطرده من (الجنة) التي تمتلك وحدها مفاتيحها. :: اقرأ أيضاً روسيا وطالبان: تقارب لضرب الناتو والوجود الأميركي في أفغانستان أميركا تتغير والمسلمون على حالهم في الكونغرس موسكو تدخل على خط المصالحة الفلسطينية
مشاركة :