بجردة حساب محايدة يتأكد لنا أن مهنة العمل ضد الحكومة والعمل معها مهنة مجزية، وأن أرباحهما، كليهما، تستحق الكد والجد واللطم على الصدر وعلى الخد.العرب إبراهيم الزبيدي [نُشر في 2017/07/18، العدد: 10695، ص(8)] جرت العادة في الأشهر التي تسبق انتخابات العراق، على أن يحاصرنا قادة السياسة العراقية، وأغلبُهم مُحدثو نعمة شبعوا بعد جوع، بنشاطات وتحركات وتصريحات ومؤتمرات وتحالفات تملأ أخبارُها الجرائد والمواقع ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وتستمر إلى ما بعد الانتخابات بقليل، ثم فجأة يسكت الجميع، بعد أن تحدد “المقسوم” لمن حالف الحكومة، وانصرف المعارضون لعدّ “مقسومهم” الوارد من وراء الحدود. فعلى الجانب العراقي الشيعي جرت العادة على أن يتبارى أصحاب الأحزاب والميليشيات والحسينيات على إقناع الناخب الشيعي بأن هذا القائد، وليس ذاك، هو من “يحبه” الولي الفقيه ويرضاه، مهما كانت مرئياته ومسموعاته، ومهما كان رأي المرجعية في أمانته ونزاهته وصدق ولائه لآل البيت. وفي النهاية يفوز من أنفق أكثر، وأولم أكثر، وأهدى أكثر، ومن أظهر كرها لأحفاد يزيد أكثر بكثير جدا من باقي إخوته المنافسين الآخرين. أما على الجانب السني من المعركة فقد جرت العادة على أن تحتضن عمان وأربيل وأنقرة وإسطنبول ولندن حفلات المتبارين على الفوز برضا هذه السفارة العربية الغنية أو تلك، وهذه المخابرات أو تلك. ويتحدد “نصيب” الزعيم من معونات الدول المانحة حسب جهامة الواقفين خلفه وهو يلقي خطبة الافتتاح لحفلات ميلاد حزبه الجديد أو تياره أو ائتلافه أو “تجمعه”. ومطلوب منه أيضا أن يُقوي نبرة صوته، ويزيد من سخونة كلماته عن مظلومية الطائفة، وعن حرمة الدم العربي، وعن استعداده للموت مع أبنائه وأهل عشيرته، كلِّهم، من أجل حماية الطائفة من الزوال على أيدي المتآمرين عليها المحليين والقادمين من وراء الحدود. تجارة لا تبور. وكل له في الطيب نصيب.بعد أن تضع حروب الانتخاب أوزارها يسكت الجميع، ولا يبقى سوى وجه دينار الحكومة، ودولار الدول المانحة العربية والأجنبية الراغبة في إزعاج الحكومة وتعكير مزاج رئيسها، ووزرائها المحترمين وعلى الجانب الشمالي من العراق “الموحد” الجديد يتبارى زعماء ولاية أربيل مع زعماء ولاية السليمانية على استعطاف أوسع شريحة ممكنة من الناخبين الحالمين بـ“الاستقلال” و“حق تقرير المصير”. وفي النهاية لا يفوز ذاك على هذا، ولا هذا على ذاك، ويبقى الحال على حاله في انتظار موسم انتخابات جديد. وفي جميع حملاتهم ومؤتمراتهم وبياناتهم لا يتحدث أيٌ من هؤلاء، شيعيا كان أو سنيا أو كرديا، إلا عن طائفته وقوميته وحدها، ومدينته وعشيرته ولا يطالب إلا بحقوقها المهضومة، أما الوطن وأما همومه فإلى ألف جهنم. وفي جميع مجالسهم ومؤتمراتهم وتجمعاتهم الانتخابية لا تجد واحدا من معسكر الحكومة، أو من معسكر معارضيها، يقترب ولو على خفيف، من أي قضية حساسة غير مسموح الاقتراب منها، ولا الإشارة بإصبع إليها. ودون الحديث عنها وفض غلافها، لا تكون هناك رجولة، ولا يكون هناك رجال. من هذه الممنوعات المطالبة بمحاكمة المتهمين في المشاركة، بالقول أو بالعمل، في صنع داعش، ثم في تسهيل احتلاله، كبيرا كان أو صغيرا، شيعيا أو سنيا أو كرديا، وذلك لكشف المستور من أسراره، ولوقف مسلسل التخوين، رجما بالغيب. والممنوع الثاني طلب التحقيق العادل والمستقل في مجزرة سبايكر، وكشف الظروف والشخصيات التي سهلت لداعش ذبح أكثر من ألفي شاب عراقي أعزل في ساعة واحدة. وثالثُ الممنوعات ملياراتُ الدولارات التي سُرقت، والتي تسرق في وضح النهار. ورابعها الجرائم ضد الإنسانية التي يُتهم الحشد الشعبي بارتكابها في ديالى وصلاح الدين والأنبار ونينوى، أو “المندسون” عليه، حسب رواية هادي العامري. وبعد أن تضع حروب الانتخاب أوزارها يسكت الجميع، ولا يبقى سوى وجه دينار الحكومة، ودولار الدول المانحة العربية والأجنبية الراغبة في إزعاج الحكومة وتعكير مزاج رئيسها، ووزرائها المحترمين. ولا الطائفة الشيعية تقبض شيئا ممن سَلبها أصوات أبنائها وبناتها، ولا الطائفة السنية رأت شيئا من سنة الحكومة، ولا من سنة معارضتها، ولا شعبُ كردستان وجد شيئا ذا قيمة من جماعة السليمانية أو جماعة أربيل. والجديد الوحيد الذي يُستجد عمارات، وقصور ومزارع وصحف وإذاعات وفضائيات، وشركات وصفقات وحفلات أعياد ميلاد وخطوبة وزواج مليونية باذخة. وما عدا ذلك فكلام عن السلاطين. وبجردة حساب محايدة يتأكد لنا أن مهنة العمل ضد الحكومة والعمل معها مهنة مجزية، وأن أرباحهما، كليهما، تستحق الكد والجد واللطم على الصدر وعلى الخد. وبارك الله في الشطارة والمهارة. وفي عين الحسود عود. كاتب عراقيإبراهيم الزبيدي
مشاركة :