موضوع تعدد الثقافات هو أحد أكثر المواضيع الحاحا في المجتمعات البشرية، بل وأقول انه تحول الى موضوع استراتيجي بالغ الأهمية في مسار التطور الاجتماعي والثقافي للدول المعاصرة. تعالج التعددية مواضيع بالغة الحساسية مثل الوجود أو القبول للآخر المختلف فكرا وانتماءات متعددة الأشكال، أو التعزيز والمشاركة للتقاليد الثقافية المتعددة لإثراء التنوع واثراء المجتمع بدل دفعه للتصادم. التعددية بتنوعها الواسع هي الوجه المميز للثقافة المرتبطة بالجماعات العرقية. يمكن أن يحدث هذا التعدد الثقافي عندما يتم إنشاء سلطة قضائية أو توسيعها عن طريق المناطق التي تندمج فيها ثقافتين او أكثر. أو عن طريق الهجرة من دول مختلفة كما هو واقع الولايات المتحدة، كندا، استراليا، اسرائيل والعديد من الدول الأخرى. بالطبع تختلف الثقافات والديانات اختلافا واسعا، ورؤيتي ان هذا الاختلاف هو اثراء ثقافي يجب ان لا يقود المجتمعات الى التصادم الثقافي او الديني او الاثني. ولا بد من إقرار نهج يحميه القانون أيضا، يشمل الدعوة إلى احترام متساوي لجميع الثقافات والتعددات ألعرقية والديانات المختلفة في المجتمع، وانتهاج سياسة التشجيع للحفاظ على التنوع الثقافي، بحيث تؤثر على المناهج السياسية والقانونية التي تحكم المجتمع، ويجري تطوير خطاب ليبرالي ينسق العلاقات بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة كما هو محدد من قبل المجموعة التي ينتمون إليه، دون تجاوز حق الآخرين او التحريض ضدهم لاختلاف هوياتهم وعقائدهم. ان تعزيز التعددية الثقافية هو امر إيجابي للحفاظ على التميز الذي يحصل بين الثقافات المتنوعة والذي غالبا ما يختلف مع سياسات الاستيطان عبر نبذ حقوق السكان الشرعيين وعزلهم بطرق مختلفة منها العسكرية ومنها التمييز العرقي وفرض مختلف القوانين التي تعطي حقوقا غير محدودة لطرف ما على حساب طرف آخر، طبعا بالاستناد الى القوة الديموغرافية، الاقتصادية، والعسكرية، بل وتكريس المفاهيم الدينية، بغض النظر عن كونها تاريخ او أساطير لفرض السيطرة واقتلاع الآخر المختلف من ارضه وبيئته. طورت السياسات والاستراتيجيات الحكومية المختلفة استراتيجيتين مختلفتين وعلى ما يبدو انهما غير متناسقتين ايضا. التاريخ الإنساني واكب الكثير من المشاهد التي تتعلق بالتعددية وأساليب التعامل معها في إطار القانون او التثقيف العام، وهنا نجد اتجاهين استراتيجيين رئيسيين: 1 - تركز الاستراتيجية الاولى على التفاعل والتواصل بين الثقافات المختلفة، وهذا ما يعرف باسم التفاعل الثقافي. 2- تركز الثانية على التنوع والتفرد الثقافي الذي يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى التنافس والتصادم بين الثقافات والجماعات العرقية او الدينية المختلفة، وهي حالة العالم العربي وإسرائيل ودول عديدة أخرى، ويمكن القول انه بدل التنافس والمصالحة يتعمق الصدام والتمييز العرقي، ولا يخلو هذا النهج اطلاقا من صدام دموي مأساوي للجانبين. إشكالية التعددية الثقافية في السياسة العالمية أثارت إشكالية التعددية الثقافية أو تنوع الثقافات اهتمام العديد من المفكرين والباحثين من مختلف المجالات والتخصصات، كعلم السياسية والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع، بل وحتى النقد الثقافي، بين متفاعل لإيجابية هذه الظاهرة في المجتمع وتأثيرها على العملية السياسية، وبين متمسك لسلبيتها وتأزيمها للأوضاع الاجتماعية. ان تجاهل علم الانسان واستبداله بخرافات موروثة (لا فرق إذا كانت تسمى دينا او تسمى أطماعا او استعمارا) هو اندفاع في هوة لا قعر لها، يدفع بها الأبرياء ثمنا رهيبا. السؤال المقلق، هل من نهاية في عالمنا المعاصر، بكل تنوعه الثقافي والاثني والديني لنهاية ظواهر لا تمت لمجمل التطور الحضاري لهذا العصر، لكنها تعمق التباعد والعداء والخوف من المختلف، وتدفع عالمنا الى دوامات من العنف المرعب؟ ملاحظة أخيرة: لا أعتقد ان استنكار ما يرتكبه منفذو العنف والتهديد بمواجهتهم وإبادتهم هو الحل، ما لم تلغَ القاعدة المادية لنشوء الدافع لمئات الاف الأشخاص، وربما الملايين، الذين وصلت بهم حالات اليأس الى أقصى أساليب العنف. ما لم يجرِ البدء بتبني حلول عقلانية لا تعطي لمن لا يستحق ما لا يستحقه، ولا تحرم أصحاب الحق من حقوقهم، سيظل عالمنا مرتعا للعنف، وكل حديث عن اقتراب القضاء على تنظيم جعل من العنف أسلوبه، والتسمية لا تهمني هنا، سنجد ان تنظيمات العنف ستواصل النمو مثل الفطاريش وبعضها سيكون ساما جدا، وهي ليست ظاهرة محصورة بتنظيمات دينية فقط! فقط بالحل العادل يمكن انهاء او تقليص الى ادنى المستويات ظاهرة العنف، التي شاهدنا اكثر اشكالها الما ودموية، ومن يظن ان قنبلته الذرية هي ضمان مستقبله، يعيش بوهم قاتل! نبيل عودة nabiloudeh@gmail.com
مشاركة :