عندما قتل رجلٌ مُسلَّحٌ 6 مصلين عبر إطلاق النار في أحد المساجد في مدينة كيبيك الكندية في يناير/كانون الثاني 2017، أُرسِلَ 5 من هؤلاء الضحايا، والذين جاؤوا جميعاً كمهاجرين إلى كندا، إلى بلدهم الأم لدفنهم. ولم يُدفَن سوى واحدٍ فقط في كندا، في مقبرةٍ يُديرها مسلمون بالقرب من مدينة مونتريال، على بعد 3 ساعات من كيبيك. كان هذا بسبب عدم امتلاك مجتمع المسلمين الآخذ في النمو بمدينة كيبك مقبرة مستقلة خاصة بهم رغم سنوات من المحاولات. وبعد إجراء استفتاءٍ مثير للخلاف بين السكان يوم السبت الماضي، 15 يوليو/تموز 2017، مازال المسلمون في البلدة التابعة التي قتلوا بها لا يملكون مقبرة خاصة بهم. صوَّت سكان بلدة سانت أبولينير، التي تقع على بعد حوالي 20 ميلاً من مدينة كيبيك ويبلغ تعداد سكانها 6 آلاف نسمة، ضد طلبٍ لتغيير التقسيم الإداري في المنطقة كي يتمكَّن المركز الثقافي الإسلامي، الذي يمتلك المسجد الذي وقعت فيه حادثة إطلاق النار المُميتة، من تشييد مقبرة للمسلمين، وفقاً لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.عدد المصوتين سيصدمك ومُنِحَ 49 ساكناً فقط، ممن يعيشون بالقرب من موقع المقبرة المقترح، حق التصويت في هذا الاستفتاء، وشارك في الاستفتاء 36 شخصاً، وصوَّت 16 منهم بالموافقة على إنشاء المقبرة، فيما صوت 19 منهم ضد الفكرة، وأُبطِلَ صوتٌ واحدٌ فقط. ورغم قلة عدد المشاركين في الاستفتاء، احتلت نتيجته الصفحات الأولى للصحف في كندا - وهي إشارةٌ على أن رهاب الأجانب لا يزال حاضراً وبقوةٍ في بلدٍ يُعرَف بأنه مكانٌ مُرحِّب بالمهاجرين وجَنّةٌ للتسامح. وقال محمد قسري، سكرتير المركز الثقافي الإسلامي: "قيل لآلاف المسلمين في مدينة كيبيك: نحن لا نريدكم هنا". وأضاف أن المجتمع الإٍسلامي المحلي سيدرس البدائل المتاحة أمامه، والتي من بينها تقديم شكوى لمفوضية حقوق الإنسان الإقليمية. وأضاف رئيس المركز محمد العبيدي: "لقد انتصر الجهل وسوء الفهم".موقف المحافظ كان بيرنارد أويليت، محافظ بلدة سانت أبولينير، داعماً لمقترح إنشاء المقبرة. وألقى باللائمة على الخوف والمعلومات المغلوطة بأنها السبب وراء رفض السكان للمقترح. وكان الكاردينال جيرالد سيبريان لاكروا، رئيس الأساقفة في مدينة كيبيك، مؤيداً أيضاً للمشروع وقد ناشد المُصوِّتين للسماح بإنشاء المقبرة "كبادرةِ احترامٍ لدينٍ آخر". ومثل غالبية المناطق الريفية في مقاطعة كيبيك، يعد غالبية سكان بلدة سانت أبولينير من الكاثوليك (اسمياً) ذوي البشرة البيضاء ويتحدثون اللغة الفرنسية. وتُظهِر الإحصاءات أنه ما مِن مسلمٍ، أو يهودي، أو سيخي، أو هندوسي في المجتمع المحلي هناك. ووُجِّهَت ستة اتهامات بالقتل من الدرجة الأولى إلى ألكسندر بيسونيت، وهو مواطنٌ يعيش في مدينة كيبيك ويبلغ من العمر 27 عاماً وله آراء يمينية متطرفة، في هجوم المسجد، الذي وقع في يناير/كانون الثاني الماضي، وينتظر بدء إجراءات محاكمته. وعقب اندلاع الغضب الشعبي الذي تلا المجزرة، تعهَّد سياسيون بحل مشكلة المقبرة الممتدة على مدار عام. وعرض مُتعهِّد دفن في سانت أبولينير بيع قطعة أرضٍ، مساحتها 65 ألف قدم مربع وتكفي لإنشاء ألف قبر، للمركز الإسلامي بالقرب من متجره، لكن عندما علم السكان المحليون بالخطة، استغلوا قانوناً في مدينة كيبيك، يسمح للسكان المتضررين من تغيير التقسيم الإداري في منطقتهم باللجوء إلى الاستفتاء لحسم الأمر. وخلال اجتماع عام عُقِدَ في مارس/آذار 2017، عبَّر معارضو المشروع عن قلقهم من أنه بمجرد السماح بوجود مقبرة للمسلمين، قد يلي هذا إنشاء مسجد ومدرسة قريباً. وقال أحد معارضي المشروع لاحقاً لصحيفة "غلوب آند مايل" الكندية: "نحن نشعر بالفعل أننا نتعرَّض لغزو". وعلى الرغم من أن الكنديين يتبنون آراءً إيجابية تجاه المهاجرين وقد فتحوا أذرعهم لاستقبال 40 ألف لاجئ سوري، والذين رحَّب بهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، فإن مشاعر عدم التسامح تجاه المسلمين حاضرة بصورةٍ جليةٍ هناك وخاصةً في مدينة كيبيك.فرنسا ووفقاً لمسح أجرته شركة "CROP" للأبحاث لصالح الشبكة الفرنسية التابعة لهيئة الإذاعة الكندية، أيَّد 23% من المشاركين في المسح فرض حظرٍ على هجرة المسلمين مثلما فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي مدينة كيبيك، بلغت نسبة المؤيدين للقرار 32%. ويحتدم الجدل، على وجه الخصوص، في مدينة كيبيك بشأن حجاب المرأة، ليعكس مدى تأثرهم، جزئياً، بالجدل السياسي في فرنسا حول الإسلام. وأظهر نفس مسح شركة "CROP" أن 67% من سكان مدينة كيبيك يريدون منع الموظفين المدنيين من ارتداء زيٍ ديني أثناء العمل، مقارنةً بنحو 34% في بقية أنحاء كندا. ومقاطعك كيبك هي ثاني أكبر مقاطعات كندا ويبلغ عدد سكانها 8،164،361 وفقاً لتعداد عام 2016، و83.4 منهم من المسيحيين الكاثوليك. وينحدر أكثر من 80٪ من سكانها من أصول فرنسية، وهي الوحيدة بين المقاطعات الكندية التي لغتها الرسمية الفرنسية فقط، في حين تعد اللغتان الفرنسية والإنكليزية لغتين رسميتين في كل أرجاء كندا. ويتحدث الفرنسية نحو 78.1 % كلغة وحيدة، بينما تعد اللغة العربية الثالثة من حيث الانتشار بنسبة 2 % . ويقول يانيك باوتشر، المحاضر في علم الإنسانيات في جامعة مونتريال، والذي درس مراسم الدفن لدى المسلمين في مدينة كيبيك، إن نتائج الاستفتاء في سانت أبولينير بُنِيَت على "الخوف من الآخر" وهي جزءٌ من الموقف الرافض لوجود المسلمين في مدينة كيبيك، والذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وجرائم الكراهية ضد المجتمع المحلي. ويضيف باوتشر أنه عندما يتوفى المسلمون في المقاطعة، يُرسَل ثلثا المتوفين إلى بلدهم الأم، وخاصةً في شمال إفريقيا، لدفنهم، بسبب نقص مساحة المقابر المتاحة للمسلمين في البلاد وشعورهم بأن مجتمعهم الجديد لا يقبلهم بشكلٍ كامل. غير أن بعض البدائل قد بدأت في الظهور، إذ أعلنت مقبرة خاصة غير تابعةٍ لطائفةٍ بعينها في أحد أحياء مدينة كيبيك مؤخراً أنها ستُخصِّص جزءاً من المقبرة لدفن المسلمين. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
مشاركة :