هكذا فجأة، ومن دون مقدمات، استيقظ سكان الكويت ذلك البلد الجميل والصغير على الخريطة، الكبير في عيون أولي العلم والألباب ليجد نفسه محاطاً بدول غير الدول المحاط به في الموقع النسبي، فلم يعد العراق في الشمال ولا السعودية في الجنوب ولا إيران في الشرق، ولا قطر قريبة منا ولا الإمارات على بعد خطوتين، وأول من اكتشف هذا الشيء هم رجال الجمارك والحدود البرية، فلقد لاحظوا أن القادمين من الشمال بوجوه مختلفة والقادمين من الجنوب بأزياء غير معروفة وأننا أصبحنا نطل على بحر لا ينازعنا على اسمه أحد.وقد تساءل الناس عما حدث وكيف حدث؟ ولكن لم يجدوا جواباً يشفي ما في الصدور. ورغم أن بيان الجمعية الجغرافية كان واضحاً عندما قال «نتيجة التصريحات المستمرة في خطة التنمية بأننا في تقدم مستمر فقد تقدمت الدولة مكانياً، وأخذت خطوات للأمام على الخريطة»، إلا أن الناس لم يأخذوا الإجابة على محمل الجد.وتساءل المحللون النفطيون ما إذا انتقل باطن الأرض معنا أم قشرتها فقط، وكانوا في جزع واضح وهم ينتظرون الإجابة، أما المحللون السياسيون فكانت لهم أسئلة أخرى، مثل ماذا عن منظومة مجلس التعاون، وما طبيعة العلاقات الإقليمية في هذا المكان الجديد؟لقد وجدت الدولة نفسها في محيط آخر يتطلب إجراءات ومهارات ويضعنا أمام تحديات جديدة ويخلق مشاكل لم نعتد عليها.ولكن، وفي ظل هذه الظاهرة الغريبة، أبدى البعض ارتياحهم مرددين أن تحرك الكويت مكانياً في ظل الأزمة الخليجية الأخيرة سيجعل كل الذين لفظتهم الأزمة الأخيرة وكتبوا أو غردوا أو نشروا أي شيء مسيء لهذا البلد وشعبه ولدوره في الوساطة، يكتشفون أن أقصى ما يستطيعون فعله في الحياة ليس المشاركة في أمور سياسية، بل المشاركة في مواضيع إذاعية ترفيهية اجتماعية تعمل على تعقيد مشاكل المجتمع وترسيخها بدلاً من حلها.ما الذي يعرفه هر صغير خلف شاشة هاتف عن الكويت وشعبها... هر منفوش كطاووس من أولئك الذين لا يفقهون قولاً.ففقدان الكويت وتحركها وتركها محيطها القديم يعني أن تبقى السفن، كل السفن بلا ميناء، فما الذي ستفعله في بحر وأمواج ورياح وغبار، بل ماذا يفعل المرء في سفينة تمشي أصلاً على الرمل؟الكويت بحر الخليج وميناؤه... وقدرها الذي أراده الله لها أن يبقى مشتعلاً في ضوء النهار وظلمة الليل.الكويت مصر الخليج ولبنانها ومغربها ومشرقها، وطن مر عليه كل من مر ومن لم يمر على غيره، فيه عمداء السياسة والفن والرياضة والاقتصاد والأدب والرواية والمسرح والإعلام وتاريخ لو فرشت أوراقه لوصلت بومباي وزنجبار، وطن ببترول أو من دونه... يلمع.إن طبيعة الشعب وطبيعة الجغرافيا الكويتية طالما كانت وسطاً وسهلاً، تسمع جميع الأطراف، أكثرها حدة وأكثرها تسامحاً، وكل ذلك في دواوين يتكلم فيها الجميع وبرلمان قديم بعمر دول، وشعب حر يحب أن يكون له رأي في كل شيء حتى لو في مسألة لا تخطر لك حتى في أحلامك المحكومة بسياقاتك الضيقة في أرض شاسعة.أما أن يخطئ أحد في حق الشعب الذي قرر أن يسير خلف قيادته التي ترى أن منظومة المجلس أولية يمكن حل المشاكل من خلالها بهدوء وحكمة، ويذكر الكويت بمواقف سدد الجميع ثمنها في حرب الخليج الثانية التي كانت تستهدف الجميع وليس الكويت فقط، فأنت إما باحث عن شهرة، وإما شاب يملك مجموعة كبيرة من المتابعين فقرر أن يقول أي شيء حتى لو كان لا يفكر في شيء، كالذي لم يمارس كرة القدم لسنوات طويلة ثم فجأة وجد نفسه في المونديال فترك الملعب واللعب ليحيي الجمهور جاعلاً فريقه أضحوكة.كل الذين يسيئون إلى الكويت بجهل أو بعمد واستفزاز هم أضحوكة... أضحوكة لا تجعلنا نضحك، بل نبكي ونتألم.عموماً، لن أكمل لكم قصة الظاهرة الغريبة التي جعلتنا نتحرك مكانياً، فيبدو أنني وحدي من تحركت في الخيال.خيال لا يسيء إلى شعوب، ولكنه يوجه أفراداً للأدب والأصول، وعندما تحل الأزمة الخليجية بإذن الله، فإن كل من أساء إلى الكويت وشعبها سيبقى (...) كما كان.كاتب كويتيmoh1alatwan@
مشاركة :