وكذلكَ جعلناكم أمَّةً وَسَطاً

  • 6/30/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الوسط «خلق عام» في جملة «مكارم الأخلاق» في الإسلام، والوسط من كل شيء خياره وأفضله وأعدله، وهو يعني الاعتدال في شؤون الحياة كلها دون تشدد ولا تنطع ولا تطرف ولا إفراط ولا تفريط، من سلوك الفرد والبيت والمجتمع إلى الدولة والأمة. وقد جعل الله هذا الخلق «الوسط» خلق الأمة العام، ووصفها به بقوله: «أمة وسطا»، وجعلها الشاهدة على أمم العالم في السلوك على نهجه، والقدوة في الدعوة إليه بينهم، فقال في القرآن الكريم: «وكذلك جعلناكم أمـــــــة وسطـــا لتكونوا شهداء على الناس». وهو ما جعل هذه الأمة تنفرد بميزة لم تكن لأمة قبلها، حيث جعل «الوسط» وصفها وهويتها، وجعلها به خير أمة، فقال في القرآن الكريم: «كنتم خير أمة أخرجت للناس» أي بأخلاق «الأمة الوسط» التي بين معالم نهجها في تتمة الآية بقوله: «تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله». ولعل «الوسط» بمعنى العدل والخيار والأفضل هو المراد أيضا بقول الله تعالى في القرآن الكريم: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان»، حيث العدل وهو «الوسط» هو الخيار والأفضل دائما في كل شيء، «والإحسان» درجة ورتبة سامية وراء العدل، إنه عدل وزيادة. وحتى يصل فردنا، ومجتمعنا، وأمتنا إلى هذا المستوى العالي في خلق «الأمة الوسط» علينا بحسن الصلة بالله، وبثقافة ووعي رتبة «الإحسان» في التفكير والسلوك، وهو ما تعلمناه من النبي محمد صلى الله عليه وسلم إياها في جوابه لجبريل عليه السلام حين سأله بقوله: «فأخبرني عن الإحسان»؟، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»؛ والعبادة أن تطيع الله في كل شيء في تعاملك مع الناس كأنك ترى الله شاهدا عليك في عملك وتعاملك معهم، فإن لم تكن تراه فلتعتقد بأنه يراك، فلا تدع حينئذ خللا في تعاملك معهم؛ ما جعل الابنة التي أيقظتها والدتها وقالت لها: قومي فامذقي (أي اخلطي) اللبن بالماء، فقالت لها ابنتها: ألم تسمعي يا أماه منادي أمير المؤمنين عمر ينهى أن يمذق اللبن بالماء، فقالت لها أمها: «إن عمر لا يرانا»، فأجابتها ابنتها: «إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا»، ورفضت الابنة غش اللبن بالماء، وهو تطبيق المسلم والمسلمة لحسن الغاية من الحياة الدنيا في قوله تعالى: «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا»؟، وذلك كله نتيجة حسن الصلة بالله. وفي أمر الله تعالى لنا في القرآن الكريم: «اقرأ»، خير هاد لنا على طريق «الأمة الوسط» الشاهدة على أمم العالم تربية وثقافة وعلما وتعليما وسلوكا لهذا الخيار وهذا الأفضل وهو «الوسط»، ونحن في أول شهر «اقرأ» التي نزلت في «ليلة القدر» من لياليه المباركة، والتي هي خير من ألف شهر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. * مفتي الجمهورية اللبنانية

مشاركة :