من الواضح أن تنوع وتعدد مكونات قطاع الطاقة والتسارع الحاصل على عناصر الإنتاج وأوجه الاستهلاك سيدفع قوى العرض والطلب إلى مزيد من التقارب والاحتكاك فيما بينها دون الوصول إلى حلول جذرية لكلا الاتجاهين، فعوامل الطلب والاستهلاك مستمرة ومتزايدة وقوى العرض توجه استثماراتها لتلبية الطلب تارة واستغلال مواردها تارة أخرى. وعلى ما يبدو فإن الاتجاهات الحكومية لازالت تسيطر على عوامل الإنتاج نظرا لبقاء تصنيف القطاع ضمن القطاعات الاستراتيجية للدول المنتجة، وعلى ما يبدو أن التنوع الحاصل على مدخلات ومخرجات قطاع الطاقة تدفع باتجاه البحث عن مصادر وقنوات تمويل تتناسب والتوسع الحاصل على قطاع الطاقة بشقية التقليدي والمتجددة خلال الفترة القادمة، وبغير ذلك سيبقى الاتجاه متركزا على الإنفاق الحكومي المتأتي من عوائد النفط والغاز. وبحسب تقرير نفط شركة الهلال فأن قنوات التمويل التقليدية لن تنجح في تلبية الطلب المتزايد لتمويل الفرص الاستثمارية التي يحتاجها قطاع الطاقة بكافة مكوناته نظرا لضخامة رؤوس الأموال المطلوبة وطول آجالها وتعارض هذه الاتجاهات والتشريعات الصادرة عن السلطات الرقابية المحلية والعالمية. بالإضافة إلى أن آليات التمويل لدى قنوات التمويل التقليدية وعلى رأسها البنوك تخضع لمعايير السيولة والمخاطر والعوائد، وبالتالي سوف لن تكون الخيار الأفضل لتمويل مشاريع الطاقة المستقبلية ضمن هذا المنظور، ولن تنجح أيضا في أن تصبح بديلا كاملا عن الانفاق الحكومي، يذكر هنا أن البحث عن قنوات تمويل مناسبة لتطوير قطاع الطاقة سوف يكون متطلباً أساسياً من قبل الجهات الحكومية والخاصة على حد سواء في المستقبل القريب. وتتجه أنظار كافة الأطراف من مستثمرين وحكومات ومختصين نحو سوق السندات ومتطلبات تطويرها، وبما يخدم الاستغلال الأمثل لمصادر السيولة الضخمة المتجمعة لدى صناديق الاستثمار سواء كانت صناديق تقاعد أو التأمين والصناديق السيادية لتمويل مشاريع الطاقة المختلفة والتقليل من الاعتماد على الإنفاق الحكومي وتخفيف الضغط على الموازنات العامة. يأتي ذلك في ظل حاجة دول المنطقة على سبيل المثال إلى انجاز العديد من مشاريع البنى التحتية ذات العلاقة بمشاريع الطاقة وفي مقدمتها مشاريع الطاقة الكهربائية والتي يتوقع أن تتطلب ما يزيد عن 100 مليار دولار خلال الأعوام العشرة القادمة، فيما يتوقع ان تصل متطلبات التمويل لمشاريع الطاقة المختلفة في حدود 700 مليار دولار. وتتسم غالبية هذه المشاريع بالجدوى الاستثمارية العالية وتتسم بالضخامة وكبر حجم التمويل المطلوب، وبالتالي فمن الصعب تمويل هذه المشاريع من خلال قنوات التمويل التقليدية وبشكل خاص البنوك، وهذا يعني أن الوقت قد حان لتطوير أسواق السندات لتحل محل أدوات التمويل التقليدية، نظرا لقدرتها على توفير مصادر تمويل تتناسب مع كافة مشاريع الطاقة. وتشير تقديرات شركة بلومبرج لتمويل الطاقة أن ينمو حجم الاستثمار العالمي لدى مشاريع الطاقة المتجددة في المستقبل القريب لتصل إلى 268 مليار دولار في نهاية العام 2012، ومن المتوقع أن تصل إلى 750 مليار دولار كاستثمارات تراكمية حتى العام 2030 لتشكل ما نسبته 73% من إجمالي قيمة الاستثمارات في مجال توليد الطاقة. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الحاجة أصبحت ملحة لتطوير أسواق المال الناشئة لتستطيع القيام بدور هام في تطوير أدوات الدين والتمويل طويل الأجل والمتخصص وبما يضمن توسيع أسواق التمويل والحفاظ على تنويع مصادر الطاقة وإعادة التوازن على عوامل العرض والطلب في كافة الظروف.
مشاركة :