«لا تعدو المسألة عن كونها حظاً بحتاً». تتردد هذه الجملة على مسامع اللاجئ في السويد حينما يهم بتقديم طلبه. والمقصود هنا مصير الملف والمسار الذي ستتخذه القضية. إبان أزمة اللاجئين الكبرى في المملكة الإسكندنافية عام 2015، وظّفت مديرية الهجرة مئات المحققين لمعالجة طلبات اللاجئين. وكثر منهم لم يملكوا خبرات سابقة في التعامل مع هذه النوعية من الأمور، ومنهم من كان يعمل موظفاً في البلدية وعاد إلى مهنته بعد انخفاض منسوب اللاجئين وتقليص أعداد موظفي الهجرة وإغلاق مقرات ومراكز إيواء عدة. ولطالما اشتكى اللاجئون من تأخّر البت في طلباتهم في شكل غير معقول أو من أسلوب تعاطي المحققين معهم بطريقة كيفية إلى حد كبير، أو قلة خبرتهم في أحسن الأحوال، من دون الأخذ في الاعتبار حيثيات القضية أو الأدلة التي يقدّمها اللاجئ، والتي يفترض أنه من خلالها سيحصل على الموافقة. ويقولون إن انتماءات المحققين السياسية وأصولهم تلعب دوراً كبيراً في تحديد إيجابية الجواب من سلبيته، حيث يعتبر المجتمع السويدي مسيّساً في شكل ملحوظ. وفي إحصاء رسمي نشر قبل شهور، تبيّن أن حوالى عُشر المحققين عُينوا قبل أقل من عامين. وعليه، ليس مستغرباً أن تشوب عملية البت بطلبات اللجوء هفوات وقرارات غير مدروسة كثيرة تؤثر تالياً في مصائر الناس. وورد في تقرير لمديرية الهجرة هذا العام أنها اتخذت أكثر من 114 ألف قرار لجوء في 2016، نحو 40 في المئة منها «لم يكن واضحاً أو سليماً قانونياً». ويشي ذلك في أن عدم أهلية الموظفين ساهمت في حرمان أشخاص يستحقون اللجوء من ذلك الحق، في مقابل منحه إلى آخرين لا يستحقونه. وتُعد حالة اللاجئة السورية هناء القصيباتي إحدى الأمثلة على رفض أصحاب الكفاءات لمجرّد تنفيذ القوانين الجامدة، إذ أبعدت إلى ألمانيا بسبب ما يُعرف بـ «بصمة دبلن»، كونها قدمت إلى السويد عبر تأشيرة «شينغن» ألمانية. وبعد ترحيلها، أضحت هناء سيدة مجتمع هناك، حيث نجحت في تأسيس مشروع يدر أرباحاً كبيرة لبيع الشالات الشرقية وسجادات الصلاة عبر الإنترنت. وكذلك، انتشرت قصة شاب عراقي تم تسفيره قسراً إثر رفض طلب اللجوء تحت تبرير «غياب الأسباب الكافية»، ثم ما لبث أن لقي حتفه بعد عودته بفعل التهديدات التي تعرّض لها ودفعته إلى اللجوء في السويد. كما تبدو قصة اللاجئ العراقي عمر حازم أكثر فجاجة، بعدما رحّل إلى بلاده قسراً على رغم عمله في شركة كبيرة وحصوله على عرض بوظيفة ثابتة، حتى قبل أن تبت مديرية الهجرة بطلب اللجوء الذي تقدّم به. وغادر عمر، الحاصل على شهادة الدكتوراه وهو خبير في مكافحة غسيل الأموال، مدينته الموصل جراء المعارك الدائرة فيها باحثاً عن الأمان في السويد. لكن سرعان ما رُفض طلب لجوئه وحتى تصريح إقامة العمل. والسبب أن الحصول عليها يتطلّب أن يكون تم تعيين صاحب الطلب لمدة لا تقل عن أربعة أشهر، وهو ما لا ينطبق عليه. وينص القانون السويدي على السماح لطالبي اللجوء بالعمل. ولكن في حالة تلقيهم رفضاً، يُشترط أن يكون صاحب الطلب عمِل لمدة أربعة أشهر على الأقل للسماح له بالبقاء. في المقلب الآخر، تمكّن لاجئون من خداع الموظفين عبر اختلاق قصص لا أساس لها، وفي أحيان أخرى ادعاء انتمائهم إلى تابعية معينة يسهل على حامليها نيل اللجوء، مستغلين الثغرات في آلية قبول الطلبات من عدمها. ومن بين هؤلاء: شاب سوري ظفر بالإقامة الدائمة من خلال نجاحه في إقناع مديرية الهجرة بأنه هارب من بلده مع أنه كان مقيماً في بلد آخر، حيث احتفظ بجواز سفره وصرّح ببطاقة هويته فحسب. وتؤكّد إدارة جمعية «فريس هوست» التي تُعنى ببرامج اجتماعية وثقافية يتعلّق جزء منها بالمهاجرين، أنها على علم بوجود أشخاص كذبوا لنيل الإقامة والتحايل على نظام المساعدات. وتحاول المنظمة، على سبيل المثال، مساعدة ثلاثة شبان أفغان يقطنون ضاحية رينكبي في العاصمة استوكهولم تورّطوا في جرائم سطو وتعاطي مخدرات على رغم منحهم اللجوء وتمتعّهم بالحقوق والمزايا الاجتماعية والمالية كلها التي تُقدّم إلى اللاجئين، ومنها انخراطهم في دورات وتدريبات مهنية بالمجان. وأثير جدل في نيسان (أبريل) الماضي حينما كُشف أن منفذ هجوم استوكهولم الإرهابي كان على لائحة الاشتباه والترحيل بعد رفض طلب لجوئه في حزيران (يونيو) 2016. ولا يبدو أن الحكومة السويدية أنجزت ما تصبو إليه من وراء إعلانها عن عزمها ترحيل أكثر من 80 ألف لاجئ رفضت طلباتهم ولا يزالون على الأراضي السويدية. ومع البيروقراطية المفرطة وسوء التنسيق بين الأجهزة الحكومية والنقص الحاد في فعالية محققي الهجرة واحترافيتهم، لا تبدو الآمال بتخفيف حدة الخلل، الذي يؤدّي إلى إصدار قرارات متناقضة وغير منطقية، قريبة من التحوّل إلى واقع.
مشاركة :