يبدو لبنان الآن وكأنه «خلية أزمة» يختلط فيها الاقتصادي - المالي بالأمني والديبلوماسي وسط تحرياتٍ كثيفة عن مكانة بيروت وحدود الانعكاسات عليها في لحظة «البيع والشراء» بين الولايات المتحدة وروسيا في سورية ومناطق النفوذ على ساحاتها، وليس أدل على ذلك من وقف واشنطن برنامج تدريب الـ«سي آي اي» لمعارضين سوريين بعد تعهد موسكو إبعاد إيران وميليشياتها عن جنوب غربي سورية.وبعدما أحدث «الإنجاز الملغوم» بإقرار البرلمان اللبناني سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها بسلّةٍ مُرْهقة من الضرائب صدمةً سلبية تصاعدتْ معها التحذيرات من انزلاق لبنان الى «النموذج اليوناني» مع توقّعاتٍ ببلوغ مديونته 110 مليارات دولار في الـ2020، ينقل رئيس الحكومة سعد الحريري الأزمة و«خلاياها النائمة والصاحية» في حقائبه خلال زيارة يبدأها غداً السبت الى واشنطن ويلتقي خلالها الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء المقبل.فالحريري، الذي قام بزيارة ليلية خاطفة للرياض لإجراء مشاورات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يستعدّ لمحادثاته في واشنطن على وهج مجموعة من القضايا الساخنة، ومنها المعركة التي يتحضّر لها «حزب الله» في جرود عرسال، على الحدود الشرقية مع سورية، وتَعاظُم الموقف الأميركي المناهض لـ «حزب الله» كأحد الأذرع الايرانية، والتحذيرات التي انطوى عليها في نيويورك تقرير الأمم المتحدة حول تنفيذ الـ1701 من أدوار الحزب وأنشطته، اضافة الى ملف النازحين السوريين في لبنان.وإذ تنتظر الحريري في واشنطن «محادثات شاقة» نتيجة حراجة الموقف الرسمي اللبناني من «حزب الله» وأدواره، فإن ثمة تَحسُّباً لإمكان تزامُن وجود رئيس الحكومة في الولايات المتحدة مع إطلاق «حزب الله» معركته في جرود عرسال بمؤازرةٍ من الجيش السوري للقضاء على جيوب لمسلّحي «داعش» و«النصرة»، في محاولةٍ مزدوجة هدفها إرباك الحريري من جهة وتقديم نفسه كجزء من الحرب على الإرهاب من جهة أخرى.وعلمت «الراي» ان الاستعدادات المتقابلة في جرود عرسال جعلتْ الـ 1000 كيلومتر مربّع أشبه بـ «برميل بارود» قابل للاشتعال في اي لحظة، خصوصاً مع تجهيز الجيش السوري لواء للمعركة التي زجّ «حزب الله» في التحضيرات لها بقوات من فرقة الرضوان، في حين أعلن قائد «النصرة» في المنطقة ابو مالك التلة «بيعة الموت» في مواجهة «يا قاتل يا مقتول».وكشفت مصادر متابعة لمجريات الوضع في جرود عرسال لـ «الراي» ان «تطوراً طرأ على سير المفاوضات الصعبة وغير المباشرة بين«حزب الله»و«النصرة»أرجأ المواجهة، وتجلى في إمكان مبادلة خرق في ملف الفوعة وكفريا المحاصَرتين في سورية بالاستجابة لشرط«النصرة»الانسحاب مع سلاحها الثقيل الى إدلب او جرابلس.ورغم أن«حزب الله»عازم على إنهاء المعركة في جرود عرسال في إطار مشروع الإمساك بالحدود اللبنانية - السورية من قبالة العرقوب جنوباً حتى قبالة عكار شمالاً على النحو الذي يجعلها امتداداً لـ«سورية المفيدة»، فإن أوساطاً مهتمة تلاحظ حرص الحزب على إطالة فترة التفاوض، رغم تشدد«النصرة»، رغبة منه في تفادي معركة مكلفة فوق تضاريس صعبة يتحصن فيها مقاتلون أشداء استوطنوها منذ ستة أعوام.وتوحي أوساط قريبة من الفريق المؤيّد لـ«حزب الله»أن ثمة توجهاً دولياً إقليمياً مساعِداً لحسم معركة الجرود ضد«داعش»و«النصرة»، وخصوصاً ان التحالف الأميركي - الخليجي صاحب مصلحة في القضاء على مجموعات إرهابية، وتالياً فانه سيصار إلى«إدارة الظهر»لتولّي«حزب الله»هذه المهمة.غير أنه رغم هذه الإيحاءات فإن الأجواء التي قفزتْ الى دائرة الضوء في واشنطن ونيويورك عشية محادثات الحريري في الولايات المتحدة تشي بحساسية مهمّة رئيس الوزراء اللبناني الساعي في شكل رئيسي الى حضّ إدارة ترامب على الفصل بين مساريْ الدولة اللبنانية و«حزب الله»، لا سيما في ما يتّصل برزمة العقوبات المالية الجديدة التي ستستهدف تضييق الخناق على أنشطة الحزب وربما شخصيات قريبة منه، الى جانب حشد المزيد من الدعم للجيش والإضاءة على الجوانب الكاملة لملف النازحين السوريين وأعبائه الكبيرة على لبنان.وبرزتْ في هذا السياق إشارتان تصعيديتان تجاه«حزب الله»، الأولى تضمّنها التقرير السنوي حول الارهاب في العالم الصادر عن وزارة الخارجية الاميركية الذي اعتبر ان ايران هي«الدولة الأولى عالمياً في دعم الإرهاب ورعايته»، لافتاً الى«ان حزب الله لا يزال التنظيم الارهابي الاكثر فعالية في لبنان»وان طهران تزوّده الأسلحة والمتفجرات والمال الى جانب أنشطته الخاصة غير المشروعة، مع إشارته الى ان القوات البرية للجيش اللبناني هي«من بين أكثر القوات المناهضة للارهاب فعالية»في الشرق الاوسط، ومعتبراً الى ان«استمرار وجود الإرهابيين من سورية (النصرة وداعش) في الاراضي اللبنانية (على الحدود الشرقية) يؤكد ان الأمن الحدودي لا يزال مسألة مركزية لصيانة استقرار لبنان وأهمية اعطاء الحكومة اللبنانية الفرصة لممارسة سيادتها الكاملة وفق القرار 1701».أما الإشارة الثانية فجاءت من بوابة الـ 1701 الذي كان محور مداولات يوم امس في مجلس الأمن، اذ دقّت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي«ناقوس الخطر بشأن مراكمة (حزب الله) الأسلحة، وهو وضع يتطلب اهتمام المجتمع الدولي لمنع مزيد من التصعيد في التوترات الإقليمية وممارسة ضغوط على الحزب لنزع سلاحه».
مشاركة :