صوّت مجلس النواب العراقي، أمس، على أعضاء مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان المصنفة ضمن الهيئات المستقلة في الدستور العراقي، ويبلغ عددهم 12 إلى جانب 3 أعضاء احتياطيين. ومثلما توقعت منظمات كثيرة بالمجتمع المدني، ضمت قائمة المفوضين الجدد أسماء ساسة سابقين ينتمون إلى كتل سياسية، مثل النائب السابق عن التيار الصدري مشرق عباس والنائبة السابقة عن الكتلة السنيّة وحدة الجميلي وغيرهما.وكانت لجنة من الخبراء اختارت أسماء المفوضين الجدد من بين نحو 500 متقدم للترشيح. واستنادا إلى الخلاصة التي تتصدر قانون المفوضية الذي أقره مجلس النواب العراقي عام 2008، فإن هدفها «إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في العراق وحمايتها وتعزيزها وضمانها ومراقبة انتهاكاتها وتقويمها». وانتهت فترة ولاية مجلس المفوضين السابق منذ نحو سنتين، وحالت الخلافات بين الكتل البرلمانية دون اختيار مفوضين جدد.ويوجب قانون المفوضية أن تتألف لجنة الخبراء المكلفة باختيار أعضاء مجلسها من 15 عضوا، موزعين بين أعضاء من مجلس النواب إلى جانب ممثلين عن الحكومة ومجلس القضاء ومؤسسات المجتمع المدني والبعثة الأممية في العراق، لكن ناشطين مدنيين يقولون إن واقع «المحاصصة الحزبية» فرض نفسه بقوة على أعضاء لجنة الخبراء، بحيث ضمت 10 أعضاء عن كتل نيابية مختلفة إلى جانب ممثلين اثنين عن منظمات المجتمع المدني وعضو واحد عن كل من، الحكومة، ومجلس القضاء، والبعثة الأممية (يونامي). وكرس مجلس المفوضين بصيغته الجديدة جميع المخاوف التي عبرت عنها منظمات وناشطون مدنيون لجهة الإطار الحزبي والسياسي الذي هيمن عليه.وفي وقت يدافع فيه أعضاء من لجنة حقوق الإنسان النيابية عن حقهم في اختيار ممثلين عن كتلهم في مجلس المفوضين بوصفهم «ممثلين للشعب»، يحذر ناشطون مدنيون من أن التصويت على مفوضين استنادا إلى مبدأ المحاصصة الحزبية يعد «مخالفة لـ(مبادئ باريس) التي أقرتها الأمم المتحدة بشأن تشكيل مفوضيات حقوق الإنسان». وكان العضوان في لجنة الخبراء الممثلان لمنظمات المجتمع المدني جمال الجواهري وعلاء الأسدي قاما في وقت سابق بالانسحاب من لجنة الخبراء، احتجاجا على «طابع المحاصصة الحزبية الذي تم بموجبه اختيار أسماء المرشحين لمجلس المفوضية». وأعلنت منظمات تعمل في مجال النشاط المدني أنها بصدد رفع شكوى أمام المحكمة الاتحادية العليا لرد الخروقات القانونية التي ارتكبها أعضاء لجنة الخبراء والإضرار بمبدأ «استقلال المفوضية وأعضاء مجلسها».ويؤكد مقربون من أجواء لجنة الخبراء، أنها استقبلت نحو 500 طلب للعمل ضمن مجلس المفوضين، ثم قامت بغربلة العدد ليصل إلى 60 مرشحا فقط، اختارت منهم 12 عضوا و3 احتياطيين ينتمون إلى كتل سياسية ممثلة في البرلمان. ويعترف عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب جاسم محمد جعفر بـ«واقع المحاصصة الحزبية القائم وانعكاسه على اختيار مجلس المفوضين»، ويقول في تصريحات: «لا نريد أن نكون مثاليين، المحاصصة واقع لا يمكن تجاوزه».ويرفض رئيس «مركز دار السلام» الدكتور سامي شاتي القبول بـ«الواقع الذي تفرضه المحاصصة الحزبية» ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كأعضاء مجتمع مدني نرفض عملية اختيار الأعضاء الجدد لمجلس المفوضية، لأنها استندت إلى المحاصصة الحزبية وتقاسم المناصب بين الأحزاب والكتل النافذة»، مضيفا: «هذه المفوضية بشكلها الحالي، حزبية ولا تمثل المجتمع المدني، وهي مخالفة لـ(مبادئ باريس) التي أقرتها الأمم المتحدة وعلى أساسها يتم تشكيل مفوضيات حقوق الإنسان. إن أبرز المعايير المعتمدة في اختيار المفوضين، هو استقلالهم وعدم انتمائهم لأحزاب سياسية».ويؤكد شاتي أن عملية ترشيح أعضاء المفوضية تمت على أساس انتماء الشخص لهذه الكتلة أو تلك، وأنها أعطت في عملية الاختيار «5 مقاعد من مجلس المفوضين إلى التحالف الوطني، و3 لاتحاد القوى العراقية، واثنين للتحالف الكردستاني، ومقعدا واحدا للحركة الآشورية». ويلفت إلى أن «مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في العراق فرنشيسكو موتو انسحب من لجنة الخبراء احتجاجا على الطابع الحزبي الذي شابها». ويشير شاتي إلى أن العراق يقع ضمن التنصيف «b» بالنسبة لمعايير العمل في مجال حقوق الإنسان، ويؤكد أن «هذا التصنيف متواضع، لكنه أعطي مجاملة للعراق باعتبار الظروف التي يمر بها، وتمسك القوى السياسية بترشيحاتها الحزبية سيعود بالعراق إلى التصنيف (c)، وقد أبلغت الأمم المتحدة العراق بذلك، ومعنى ذلك أن مفوضية حقوق الإنسان بصيغتها الحالية ستتحول إلى مجرد منظمة محلية لا تعترف المنظمات الدولية بتقاريرها ولا تعتمدها في مسألة تقييم حقوق الإنسان في العراق».وكانت منظمات «المنبر المدني» أصدرت بيانا قبل أسبوع، أعربت فيه عن «رفضها ومقاطعتها العمل مع المفوضية؛ إذا ما صادق مجلس النواب على الأسماء المقدمة من قبل لجنة الخبراء»، وكشفت عن نيتها «التواصل مع مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف لضمان إعادة تصنيف المفوضية من (B) إلى (C)». ووجهت دعوة إلى منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان كافة إلى «إظهار موقف جدي وقوي وموحد تجاه الخروقات المستمرة والتمييز ضد المواطنين من قبل الأحزاب الحاكمة».
مشاركة :