تركيا في «طور التكوين»

  • 7/22/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

احتفل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، بذكرى انتصاره على الانقلاب، واستبعد المعارضة التي أيدته ووقفت معه بكل قوتها ضد الانقلابيين، مكرساً الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين. لم يكن الاحتفال هتافات وزغاريد وتلويحاً بالأعلام. كان استعراضاً للقوة وإخافة الجميع، بمن فيهم أنصاره، ولتأكيد أن جمهورية أتاتورك أصبحت جمهوريته، بعد التغييرات التي أحدثها في كل المؤسسات، وبعد ضربه الدولة العميقة، ومؤسسات المجتمع المدني، وتأسيس أخرى موالية له. وقد أصبح جنود المؤسس بإمرة السلطات السياسية. وطلاب المعاهد الدينية لم يعودوا ممنوعين من الانتساب إلى المؤسسة العسكرية. كل هذه القرارات صدرت بمراسيم رئاسية، تطبق بصرامة لتغيير عقيدة الجيش. في الشكل تبدو قرارات أردوغان ترسيخاً للأعراف في الدول الديموقراطية، حيث تخضع الجيوش للسلطات السياسية وتنفذ قراراتها، لكن السياسيين وقراراتهم في الديموقراطيات تخضع لرقابة البرلمانات والصحافة والأحزاب المعارضة، ولا تتخذ قراراتها إلا بعد مناقشات كثيرة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالحرب. أما في تركيا فقد حصر أردوغان كل السلطات في يده. سيطر على البرلمان، وضرب الأحزاب والنقابات، وأوقف عشرات الصحف، وكلف مسؤولين في حزبه إدارة أهمها، وزج عشرات آلاف المعارضين في السجون، ولم يعد مسؤولاً أمام أي هيئة رقابية، ووضع كل قوات الأمن بإمرته يستخدمها في قمع المعارضة. أي حوّل تركيا إلى دولة بوليسية، لم تعد مهيأة لدخول «جنة» الاتحاد الأوروبي، فالقرارات والمراسيم لا تتطابق مع المعايير المفروضة على أعضاء الاتحاد، وتوجهات أردوغان الإسلامية كانت مقبولة لدى بروكسيل، يمكن تعميمها في المنطقة «العصية على الديموقراطية»، خصوصاً عندما كان رئيساً للوزراء وبدأ محادثات مع الأكراد، وسمح لهم بإيصال مرشحيهم إلى البرلمان، في خطوة كانت مستحيلة أيام حكم العسكر. أما بعدما اعتبر أحزابهم إرهابية وزج ببعض نوابهم في السجن، وبعد التغييرات المتتابعة، منذ بدأ حزب «العدالة والتنمية» تطبيق برامجه السياسية في الداخل والخارج، فأصبحت تركيا في نظر برلين مثل ألمانيا الشرقية أيام الشيوعية، وأصبحت الأخيرة «نازية» في نظر أنقرة، على ما قال أردوغان. وامتد الخلاف بينهما إلى الحلف الأطلسي، فسحبت ألمانيا جنودها من قاعدة إنجرليك. ولم تعد أنقرة متحمسة لعضوية الاتحاد الأوروبي لأنه يقيد حركة حكومتها في الداخل والخارج. كتب أردوغان في مناسبة احتفاله بسحق الانقلابيين أن «ازدواجية» الأوروبيين و «نفاقهم أزعجا الشعب التركي الذي خاطر بكل شيء للدفاع عن حريته» (ذي غارديان). وأكد في مقابلة مع «بي بي سي» أن أنقرة لم تعد ترى الاتحاد الأوروبي «ضرورياً» بالنسبة إليها. واقع الأمر أن تركيا تنظر إلى نفسها زعيمة ورائدة في الشرق الأوسط، ترسل قواتها إلى العراق وسورية وقطر، وتتصرف كقوة إقليمية عظمى، تتحدث باسم الجميع مع واشنطن وبرلين وموسكو، وتعقد تحالفات، وتدعم جماعات مسلحة لتكرس نفوذها، فيما تراها أوروبا دولة في طور التكوين مثل بقية دول المنطقة، يحكمها الاستبداد، وهي عرضة للحروب الأهلية والتقسيم.

مشاركة :