ثنائية النقل والعقل بقلم: حميد سعيد

  • 7/22/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يرتبط النقل وتحييد العقل بالتعصب، حتى يتحول المنقول لدى من يحترف الخطاب الأيديولوجي، دينياً أو سياسياً، إلى مقدس لا يجوز المساس به أو نقده أو مناقشته.العرب حميد سعيد [نُشر في 2017/07/22، العدد: 10699، ص(16)] ظلّت ثنائية النقل والعقل حاضرة في التاريخ الإنساني، وترسخت أكثر فأكثر، في الفكر الديني، وانتهت إلى انشقاقات خطيرة في بعض المراحل التاريخية، حتى أن محاولات التقريب والتكامل بينهما -بين النقل والعقل- لم تفلح ولم يقبلها أي من الطرفين. ولم يتوقف فعل هذه الثنائية عند الفكر الديني فقط، بل انتقل إلى التاريخ والأدب والاجتماع والسياسة وغيرها. لا أريد هنا أن أتناول هذه الثنائية في الفكر الديني، وما أنتجت من جماعات ومواقف وطوائف وطقوس، فذلك أمرٌ كتب عنه الكثير، وبسببه تعرض كثيرون للاضطهاد والعزل الاجتماعي ولا أريد أن أدخل هذا المدخل، وقد لا أكون مؤهلاً للخوض فيه، وكان رفض ذوي العقل في تقويم النقل، قد منح الناقلين مجالاً مفتوحاً للتجاوز والكذب والاستهانة بالعقل والمنطق، وكان البعض منهم وهم يبالغون في اختراع الروايات لخدمة الحكام والمتنفذين أو لإرضاء الجماعات التي ينتسبون إليها، يصدر عن وهم أن هذا الكذب يخدم الحق، كما يرونه لا كما هو في الواقع. ويكفي أن أذكر هنا ما ينسب إلى متشددي المتصوفة من قول هو “نحن لا نكذب على الرسول، وإنما نكذب له، حتى نحبب الناس في دينه”. وهذا القول، إنْ صحَّ نقله، لا يفصح إلا عن جهالة ووهم. إن مثل هذا الكذب شاع في الكثير من المصادر وقال به أشخاص معروفون وغير معروفين ونسبوه ظلماً إلى رجال ثقات في المعرفة والأخلاق، ولا يد لهم في ما نسب إليهم، وبخاصة بعد رحيلهم إلى العالم الآخر، حيث ما عادوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم ودفع ما نسب إليهم. ومن المؤكد أن كثيرين من هؤلاء يجدون لكذبهم من المسوغات، ما ورد في المقولة التي نسبت إلى المتشددين من المتصوفة والتي ذكرناها قبل قليل. وإذا كان من الطبيعي، بل من المنطقي أن يكون دور العقل في كشف حقيقة النقل، لكن ما شاع في كتابات فكرية وسياسية أن يفرض النص المنقول توجهاته على العقل، حيث نجد الكاتب يحشد مقولات من هنا ومن هناك، لتأكيد استنتاج ما، من دون تدقيق أو حوار عميق. وفي زمننا هذا، الذي يفترض أن يكون زمن العقل، يحدث العكس، حيث ينفلت النقل، كما نرى ذلك من خلال مختلف وسائل الاتصال الحديثة، فيكون بضاعة رائجة في سوق جهلاء يستبد بهم النص المنقول، إذ يخافون فعل العقل، بل يعادونه ويرون فيه ما يهدد نصوصهم ويفضحها، مهما كانت هذه النصوص سطحية وخرقاء وتافهة. إنها لمفارقة أن توظف نتائج العلم في خدمة التخلف والثقافة الأسطورية، بل في تعطيل العقل، ومما يفاقم خطيئة النقل في الراهن انفلاتها وعدم وجود محددات علمية وموضوعية لها، على صعيد الأشخاص والمنابر في آن واحد، فيختلط الحابل بالنابل ويتوسع محيط الجهل ويتراجع دور العقل. ويرتبط النقل وتحييد العقل بالتعصب، حتى يتحول المنقول لدى من يحترف الخطاب الأيديولوجي، دينياً أو سياسياً، إلى مقدس لا يجوز المساس به أو نقده أو مناقشته، وليس عليك وأنت تستمع إلى مثل هذا الخطاب إلاّ أن تهجر الوعي وتتخلص من المعرفة، وإلا فأنت منحرف أو جاهل أو كافر. لقد كان النقل في التراث الإنساني بعامة والتراث العربي بخاصة، يقترن باشتراطات كثيرة، فلا ينقل إلا عمن تتوفر فيه مواصفات تؤهله لأن يروى أو ينقل عنه، وتقبل روايته. ومع كل تلك المحددات والتشدد فيها، فقد تسلل إلى التراث الإنساني ومنه التراث العربي، الكثير من الوهم والكذب الذي مازال يردد ويوظف في إثارة الخلافات والاحتراب وتخريب الحاضر. كاتب عراقيحميد سعيد

مشاركة :