تحقيق: راندا جرجستُغيّر الاضطرابات التي تحدث لبعض الناس في الرؤية اللونية مجرى حياتهم، وهو مرض وراثي أو خلل ناجم عن تلف في خلايا شبكية العين، المسؤولة عن التقاط الألوان، أو مكتسب، يحدث بسبب خلل في العين، العصب البصري، الدماغ أو التعرض لبعض المواد الكيماوية، ما يؤدي لعدم القدرة على التمييز بين بعض الألوان أو كلها، كما يزيد من صعوبة تعلّم القراءة، ويحد من إمكانية التقدّم في العمل في مجالات معيّنة، ويقع على عاتق من يعانون هذه الإصابة، الأطفال منهم أو البالغون، ولكنهم يستطيعون مع الوقت التأقلم والتعويض عن عدم قدرتهم على رؤية ألوان معيّنة، وفي هذا التحقيق سنتعرف تفصيلاً إلى مسببات وتشخيص عمى الألوان.توضح الدكتورة رزان غالي، أخصائية طب و جراحة العيون، أن عمى الألوان هو عدم القدرة على رؤية الألوان بالشكل الصحيح، والظاهرة الأبرز هي عدم القدرة على تمييز اللونين الأحمر والأخضر، وأحياناً اللون الأزرق، وهناك نوعان من الخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين (النسيج الذي يبطن داخل العين)، وتعد هذه الخلايا العصيات التي تمكننا من الرؤية الليلية في الظلام، وهي كثيرة الحساسية لمستوى الضوء، و تعتبر المخاريط هي المسؤولة عن تمييز مستوى الألوان وتتركز قرب مركز النظر، كما أنها مسؤولة عن الرؤية النهارية، والمخاريط ثلاثة أنواع: الأحمر، الأخضر و الأزرق، وهي التي يتلقى منها الدماغ المعلومات الدقيقة ليحدد طبيعة اللون الذي نراه، ويمكن للإنسان الطبيعي أن يعاني عمى الألوان عند غياب واحد أو أكثر من هذه المخاريط، أو عند حدوث أي خلل في وظيفتها، وتتدرج الحالة من عمى الألوان التام الذي يحصل عند غياب كافة أنواع المخاريط، إلى عمى الألوان متوسط الشدة الذي يحدث بالرغم من وجود كافة أنواع المخاريط ولكن مع خلل بوظيفة أحدها، ولذلك فإن أي تغير بقدرة المصاب على تمييز الألوان، تستدعي مراجعة طبيب العيون المختص لكشف السبب ومعالجته إن أمكن.درجات وأنواع الإصابةوتبين د. رزان أنه ليس بالضرورة أن يعاني كل الأشخاص المصابين بعمى الألوان نفس الأعراض، حيث إن هناك عدة درجات للإصابة بعمى الألوان، وتتمثل في:• بعض الأشخاص قادرون على تمييز الألوان فقط في حال توفر الإضاءة الجيدة، وغير قادرين على تمييزها في حال كانت الإنارة خفيفة.• البعض الآخر لا يمكن لهم تمييز ألوان معينة مهما كان مستوى الإضاءة.• أكثر حالات عمى الألوان شدة هي عدم القدرة على تمييز كافة الألوان، مهما كانت شدة الإضاءة حيث تظهر الألوان كافة بتدرجات اللون الرمادي، وتعد هذه الحالة من الحالات النادرة جداً وغير الشائعة.• عادة ما يصيب عمى الألوان العينين بشكل متساو، فلا يمكن لعين أن تكون رؤيتها اللونية مختلفة عن العين الأخرى، كما أن الحالة تبقى ثابتة مدى الحياة على الوضع المولود به الشخص دون أن تتحسن أو تزداد سوءاً.• وهناك الأشخاص الذين يصابون بالمرض بشكل مكتسب خلال الحياة، ويسمى بعمى الألوان المكتسب.أعراض عمى الألوانوتشير د. رزان إلى أن الأعراض تتراوح بين الخفيفة والشديدة، وهناك العديد من الأشخاص لديهم درجة خفيفة لا تستدعي شعورهم بالقلق، ولا تلفت انتباههم، وربما يكتشف الأهل بالمصادفة أن طفلهم يعاني عمى الألوان أثناء محاولتهم تعليمه الألوان، وتتضمن الأعراض: • صعوبة رؤية الألوان أو لمعان الألوان بالحالة العادية. • صعوبة التمييز بين درجات اللون، وخاصة بشكل جزئي للون الواحد مثل الأحمر والأخضر، أو الأزرق والأصفر.• فيما عدا الحالات الشديدة، لا يؤثر عمى الألوان في حدة البصر أو القدرة البصرية، وتعد الحالة الوحيدة التي تؤثر في القدرة البصرية، هي رؤية الألوان كافة بتدرجات اللون الرمادي، وعادة ما تترافق مع:- كسل في وظيفة العين ورقرقتها (اهتزاز العين بسرعة وبشكل لا إرادي).- حساسية للضوء وضعف في النظر، وهذه الحالة تدعى الرؤية عديمة الألوان.الأكثر إصابةوتفيد د. رزان أن الذكور هم أكثر عرضة من الإناث للإصابة بعمى الألوان الخلقي، وتزداد فرصة الإصابة بعمى الألوان المكتسب عند بعض الأشخاص الذين يعانون بعض الأمراض كــ :- الزرق وهو ارتفاع ضغط العين.- الساد وهو ما يدعى بالماء الأبيض في العين- اعتلال اللطخة- الزهايمر- داء باركنسون- الإسراف المزمن بشرب الكحول- ابيضاض الدم، وفقر الدم المنجلي- تزداد حالة الإصابة بعمى الألوان عند مرضى التهاب المفاصل وبعض الأمراض التي تستدعي العلاج بالهيدروكسي كلوروكين.وتضيف: يتم تشخيص المرض باختبار بسيط يجريه طبيب العيون في العيادة، حيث يعرض على المريض مجموعة من اللوحات الملونة، والمكتوبة بمجموعة من النقط الملونة، ويجب على المريض تمييز الرقم المكتوب داخلها، ولا يوجد علاج لعمى الألوان الخلقي، ويكون الحل الوحيد هو أن يتعايش المريض مع حالته دون الإحساس بأي عجز وظيفي واضح، بينما تتوجه معالجة عمى الألوان المكتسب إلى معالجة العامل المسبب إن أمكن.مشاكل يومية ويذكر الدكتور محمد عماد عليلو، مختص طب العيون، أن 1 من كل 12 ذكراً، وواحدة من بين كل ٢٠٠٠ امرأة يعانون درجة ما من عمى الألوان فكيف تبدو الحياة للمصابين بهذا النوع من الاضطراب في الرؤية اللونية ؟ويجيب: يعاني هؤلاء الأشخاص العديد من المشاكل أثناء حياتهم اليومية سواء أثناء العمل، أو عند ممارسة فعاليات الحياة اليومية البسيطة مثل تحضير الطعام، اختيار الملابس، قيادة السيارة أو ممارسة الرياضة، والغريب أن الأصحاء لا يدركون حجم معاناة هؤلاء الأشخاص عندما يفشلون في التمييز بين شريحة اللحم شبه النيئة من الشريحة الناضجة، أو يتناولون الموز الأخضر، وهم يظنون أنه ناضج، أو في التمييز بين لون المؤشر الذي يشير إلى حاجة أي جهاز إلكتروني يستعملونه لشحن الكهرباء بسبب صعوبة تمييز اللون الأحمر من الأخضر، وهذا النوع من المشاكل ربما يسبب اضطراباً نفسياً، وخاصة لدى الأطفال المصابين بعمى الألوان في حين أنه يشكل صعوبات حقيقة لدى البالغين، ولاسيما في الحالات الآتية:• في أماكن العمل، حيث يجد الأشخاص المصابون بعمى الألوان صعوبة كبيرة في التعامل مع البرمجيات، التي تحوي الكثير من الصور والخرائط، أو أثناء تصفح الأنترنت وتحضير المحاضرات والوثائق، وبالنسبة للسائقين منهم تكون المعاناة عند إيجاد صعوبة في تمييز ألوان الإشارات الضوئية، ولاسيما في ظروف الإضاءة الليلية الخافتة، وفي بعض المهن الأخرى كالحلاق أو خبير التجميل، الذي يجد صعوبة في التمييز بين درجات اللون المطلوبة للشعر أو لمكياج البشرة، كما يجد البستاني صعوبة في التمييز بين ألوان الزهور، وأوراق الأشجار، وفي القطاع الطبي تحرص المخابر بشكل خاص على تحري وجود أي درجة من درجات عمى الألوان، بين أفراد كادرها الطبي، لما في ذلك من تأثير خطر في القراءة الخاطئة للمشعرات اللونية، أو تمييز الخلايا تحت المجهر وفي العمل على بقية أجهزة الفحص المخبري.• الطعام، يواجه مصابو عمى الألوان صعوبة عند شراء الخضار، والفواكه بشكل خاص، وأيضاً عند تحضير الأطعمة بشكل عام، ولكن غالباً ما يطور هؤلاء الأشخاص أنفسهم بتقنيات خاصة بهم لأداء هذه المهام، مثل الاعتماد على ملمس أو قساوة الفاكهة، لتقدير مدى نضجها، أو يرى المصاب التفاح الناضج مثلاً يبدو أكثر عتامة من غير الناضج وهكذا، ولكن الأمور تبدو أصعب عند القيام بطهو الطعام وتحضيره، فعلى سبيل المثال، يصبح من الصعوبة تمييز مدى نضج شريحة اللحم أو الدجاج بالاعتماد فقط على تغيير اللون.• الملابس، وغالباً ما يبدو نمط الملابس للأشخاص المصابين بعمى الألوان غريباً، وغير متناسق في نظر الأشخاص الطبيعيين، إذ إن هؤلاء ببساطة لا يدركون ما هو الفرق بين الأخضر والأخضر الغامق، أو بين الأسود والأحمر، ما لم يكن هناك من يساعدهم، ولذا غالباً ما يعتمد هؤلاء المصابون على أحد أفراد العائلة في اختيار مجموعة من الألوان المتناسقة، ومن ثم يلتزمون بها دون تغيير، أو يتم وضع بطاقات ورقية مكتوب بها درجات الألوان على الملابس لتسهل على المصاب الاختيار. نظرة المجتمعويشير د. عماد إلى أن بعض المجتمعات تنظر لهذا الاضطراب المرضي كنوع من الإعاقة، في حين تتعامل معه مجتمعات أخرى بنظرة أكثر تقبلاً وانفتاحاً، ففي اليابان مثلاً يتم استثناء الأشخاص المصابين بعمى الألوان من الترشح إلى كثير من المهن، في حين لا يسمح في بعض الدول للمصابين بقيادة السيارات، بسبب عدم قدرتهم على تمييز الإشارات المرورية في ظروف الإضاءة الخافتة، أما في بريطانيا فيتعامل المجتمع مع هؤلاء الأشخاص بطريقة أكثر انفتاحاً، حيث تعمل منظمات التوعية بعمى الألوان على نشر الوعي بين الناس بطبيعة الاحتياجات الخاصة لهؤلاء الأشخاص، وتضغط باتجاه مراعاة هذه الاحتياجات أثناء مختلف الأنشطة الحياتية الاعتيادية، ورغم ذلك فمن المسلم به في بعض القطاعات الصناعية أو العسكرية أن هناك بعض المهن التي لا يمكن أن يقبل بها الأشخاص المصابون بعمى الألوان كما تجبر القوانين الشركات الصناعية، على تحري الأشخاص المصابين بعمى الألوان بين موظفيها لتلقي تدريب خاص على إجراءات السلامة المهنية، أما عند الأطفال فلا يزال هناك قصور واضح في التشريعات التي تلزم المدارس بمراعاة الاحتياجات الخاصة لهؤلاء الأطفال، وتدريب المدرسين على طبيعة التعامل معهم لتفادي أي سوء فهم، أو نقص في العملية التربوية والتعليمية، وأنهم إلى النصح والتوعية المتخصصة، لاختيار طبيعة مهنتهم المستقبلية، بحيث لا يقف وجود إصابة بدرجة ما من عمى الألوان أمام نجاحهم المهني في المستقبل.تدابير تُحسن الحياةويؤكد د. عماد أن الألوان هي بهجة الحياة والطبيعة، وفرحها الذي يبهج النفوس، ويخلب العقول لذا يبقى الأمل دائماً موصولاً في اكتشاف علاج شاف يعيد للحياة ألقها، في نظر هذه الشريحة من الناس، وهذا المرض يعتبر ناجماً عن خلل جيني عصي على العلاج حتى الآن، وإن كانت هناك بعض التطورات التي تبعث على الأمل في إيجاد علاج شاف له، واكتشف العلماء الشفرة الوراثية لبروتين (أوبسين)، وهو البروتين ذو الخصائص الضوئية اللونية التي تعتمد عليها الرؤية، وتمت بنجاح تجارب تعتمد على حقن فيروسات تحمل جينات هذا البروتين خلف خلايا الشبكية لدى قردة مصابة بعمى الألوان، حيث أثبتت هذه التجارب حدوث تقدم في الأداء البصري اللوني لدى القردة المعالجة، وتبعث هذه التجارب الأمل في التوصل إلى علاجات شافية لهذا الاضطراب في المستقبل القريب، أما حالياً فهناك مجموعة من التدابير يمكن أن تُحسن جزئياًَ نوعية الحياة لهؤلاء الأشخاص من خلال تحسين نوعية الرؤية ومنها:} استخدام نظارات خاصة ذات مرشحات معينة يتم انتقاؤها بعد تحديد نوع النقص في الرؤية اللونية.} استخدام عدسات لاصقة خاصة يدخل فيها مادة الكروم تساعد على تحسين الرؤية اللونية، حيث إن هذه النظارات أو العدسات اللاصقة تزيد من مجال الرؤية اللونية لدى الشخص المصاب، وإن كانت غير قادرة على إعطائه الرؤية الطبيعية، إلا أنها تمكنه من رؤية ألوان لم يكن يراها سابقاً، ما يفسر الدهشة والفرح لدى هؤلاء الأشخاص في بداية استعمالهم لهذه العدسات.} بدأ عدد من برامج تصفح الأنترنت يضيف إلى برمجياته خيارات تسمح بتعديل الطيف اللوني لشاشة الكمبيوتر، بشكل يتوافق مع الأشخاص المصابين بعمى الألوان ويجعل تجربة تصفحهم الإلكتروني أكثر متعة وراحة. فحص إيشيهارا للألوان إن اختبار الألوان هو عبارة عن فحص بسيط، هدفه قياس قدرة الإنسان على معرفة وتحديد الألوان، وتشخيص عمى الألوان، وخاصة اللونين الأحمر والأخضر، وسمي هذا الاختبار نسبة للطبيب الياباني «شينوبو إيشيهارا»، الذي قام بنشر أبحاثه عن هذا الاختبار في عام 1917، ويتألف الاختبار كاملاً من 38 لوحة، تحوي بقعاً ملونة مختلفة الألوان والأحجام، وتحتوي الصورة عادة على واحد أو أكثر من الأرقام الملونة بلون مختلف عن بقية أجزاء الصورة، ويكون من الممكن مشاهدته من قبل شخص نظره سليم، ويكون من السهل الحكم على وجود حالة عمى ألوان بعد إجراء الاختبار على عدة لوحات.
مشاركة :