حب وكرامة رابعة الختام النساء أشبه بغابات استوائية مسكونة بالأشجار العملاقة، تحجب أشعة الشمس فلا ترى منها إلا ما أظهرت هي عن نفسها، ولا تعرف عنها إلا ما منحتك حق معرفته طائعة بمحض إرادتها ومحض حبها. المرأة حنونة، عاقلة، طيبة، معطاء، كريمة، خجولة، شحيحة، مجنونة، قاسية، غابة من أندر الأشجار إن شاءت، وأرض قاحلة لا زرع فيها ولا ماء إن غضبت. أعرف امرأة تجمع نقائض البشر جميعا في غلالة شفيفة تنزعها برقة وعنف، تزوجت منذ سنوات قاربت الثلاثة عشر عاما من رجل تحبه بجنون، كان زواجا ناجحا ثم أنهت حياتها الزوجية “خلعا” دون إبداء الأسباب للأهل أو الأقارب، تعذبت أمها حتى فارقت الحياة دون أن تستطيع إصلاح ما أفسدته ابنتها بيديها في لحظة كرامة كما أطلقت عليها الزوجة عفاف، أو لحظة غباء كما وصفتها الأم. زوجة تردد جملة واحدة باستعذاب “في حبه إهانة، وبعده كرامة”. خلاف طبيعي كإفرازات التقارب اليومي لزوجين في بيت وتحت سقف واحد، فلا حياة من دون اختلافات في وجهات النظر وتباين في الرؤى. امرأة أحبت وأعطت دون حدود، لم تحبس شيئا عن زوجها، وفي لحظة فارقة هدمت المعبد دون النظر إلى الخلف، مشكلة عادية لا ترتقي لإنهاء حياة زوجية من أجلها، شجار يحدث بين جميع الأزواج وزوجاتهم حال شعور المرأة بأن زوجها يتحدث مع زميلة له بشكل أفضل مما يتحدث به معها، ربما مجاملة لزميلة عمل تفرضها أصول اللياقة واللباقة في الحديث مع الآخر. ربما أراد اكتشاف المزيد من أشجار لم يقربها بعد في حياته مع زوجته وعلاقته بامرأته فأراد بإشعال نار الغيرة في قلبها أن تكشف له عمّا خفي عليه من دروبها، ربما أراد إرسال رسالة هامة إلى زوجته لتميط اللثام عن حدائقها الغناء التي لم يرتدها بعد أو تجدد خطاب حبها الذي اصفرّت أوراقه، قطعا، بعد كل هذه السنوات. المرأة ذلك المخلوق الغريب قد يتطلب التعامل معه الذكاء والحب والاحتواء، لكن هذه الزوجة تحديدا كانت تريد أن يكون الزوج لاعب سيرك، طوال الوقت يقفز على الحبال ببراعة ومهارة دون السقوط، وإلا تهشمت عظامه دون فرصة للإصلاح. لأول مرة أجدني لا أنحاز إلى سلوك أنثوي دافعت صاحبته عنه بضراوة، لم أخن المرأة التي أكتب عنها ولها، ولكنني أراها اليوم بحرا متلاطم الأمواج غير واضحة معالمه، فلا نكاد نرى انكسار إحدى موجاته على صخور الشاطئ حتى تفاجئنا أخرى أشد فتكا من الأولى. فالحياة شديدة القسوة تحتاج العقل مثلما تحتاج الحب، وهناك من تتعلق مصائرهم بقرارات الأهل، فليس من الحكمة إنهاء حياة لسنا وحدنا أطرافها، بل لنا فيها شركاء أكثر احتياجا إلى التعقل. أحمد الله تبارك وتعالى أن هذا النموذج ليس هو القاعدة للنساء وإنما شواذها التي لا نرجو بالتأكيد أن تعمم سلوكياتها، وتؤاخذ بذنبها الباقيات. كثيرات هن العاقلات، الذائبات في الحب إلى حد الاختفاء، وعنهن يقول جبران خليل جبران: قلب المرأة ينازع طويلا لكنه لا يموت. أعجبني أحد الكتاب الروس حين قال يوما على لسان قطعة جليد حين مستها أشعة الشمس في بداية فصل الربيع: أنا أحب وأنا أذوب، ولا يمكنني أن أحب وأبقى معا، فلا بد من الاختيار بين الأمرين، إما الوجود من دون حب وهذا هو الشتاء القارس الفظيع، أو الحب من دون وجود وذلك هو الموت في مطلع الربيع، وهكذا هي حواء التي تذوب ليعيش الآخرون، وهي من وجهة نظري المرأة كما يجب أن تكون، لا هذه التي تهدم الحياة بحمق وجهل. أعتقد أن عفاف هذه هي من قال عنها جورج برنارد شو: من قال المرأة ليس لها رأي؟ فالمرأة لها كل يوم رأي جديد. كاتبة مصرية سراب/12
مشاركة :