الناقد عبدالكريم قادري يدعو صنّاع السينما إلى أن يتمسكوا بالحلم، ويسعوا لفك الارتباط السينمائي بالآخر، ويحاولوا خلق أفلام عربية تمثلهم وتمثّل نظرتهم وفهمهم للسينما.العرب [نُشر في 2017/07/24، العدد: 10701، ص(15)]صناعة سينما تخرج من الحيز الضّيق وترى العالم وهران (الجزائر) - يتناول كتاب “سينما الرُؤى، دراسات وقراءات في السينما العربية” لعبدالكريم قادري واقع السينما العربية الحالية، مع تسليط الضوء على بعض التجارب والشخصيات المهمة التي أثّرت فيها، والاستئناس ببعض تجارب الماضي التي ألقت بظلالها على واقع السينما العربية الحالية. وقد قسّم قادري مواد كتابه إلى خمسة أقسام، حيث يتناول بالبحث عدة قضايا، فيدرس في قسم “تجارب ومسارات” بعض “التيمات” التي عالجتها السينما العربية، مثل “العنف في السينما العربية”، و”صورة العربي في سينما الآخر”، و”السينما العربية المستقلة”، ناهيك عن التركيز على بعض ماهيات السينما مثل “الفيلم القصير وآلياته الفنية”، ومن بين التجارب العربية التي تم تتبع مسارها “السينما التونسية”، و”حضور المرأة في السينما الفلسطينية”، و”الطفل في السينما الجزائرية”. أما القسم الثاني من الكتاب فقد قدم من خلاله الناقد قراءات نقدية لأهم ما أنتج عربيا من أفلام روائية طويلة في الثلاث سنوات الأخيرة، فيما خصص القسم الثالث للأفلام الروائية القصيرة، ليتطرق في رابع أقسام الكتاب إلى الأفلام الوثائقية، وقد جاء هذا لتبيان القيمة الفنية وما وصلت إليه السينما العربية الحالية. أما القسم الخامس فقد تناول فيه قادري بعض الإنتاجات المكتوبة في مجال النقد السينمائي، حيث استعرضها وسلط الضوء على ما جاء فيها، ليختم بالقسم السادس الذي جاء تحت عنوان “فيوضات السينما” وهي عبارة عن مقابلتين أجراهما صاحب الكتاب، مع مخرجين سوريين، واحد له تجربة ثرية وباع طويل في السينما العربية، يعيش حاليا داخل سوريا وهو محمد ملص، والثاني مخرج سوري شاب يعيش خارجها وهو غطفان غنوم، ومن خلال المقابلتين نعرف أحلام وتجارب كل واحد منهما، كيف يفكر، كيف ينظر إلى السينما وما الذي تعنيه له، رغم الفرق في السن والتجربة والمسار وطرق النضال لكل منهما. إجمالا يتلخص الكتاب في الكلمة التي كتبها عبدالكريم قادري في مقدمته حيث يقول “لا تزال السينما العربية تبحث عن موطئ قدم لها ضمن مدونة السينما العالمية، لكن هذا البحث يبدو شاقا وبعيدا عن التحقق في الوقت الحالي، خصوصا وأن ما يُنتج حاليا من أفلام في الدول العربية مجتمعة، لا يشكل سوى جزء يسير، مقارنة بما تنتجه دولة غربية واحدة لها تقاليد سينمائية، لأن آلية الإنتاج العربي على عمومها، بطيئة، مترددة، متوجسة، ارتدادية، وغير منوعة، حصرت نفسها بين ما هو تجاري وفج على كثرته، وما هو فني إلى حد ما، على قلته، ومن المعروف أن القلة مهما كانت لا تستطيع أن تخلق توجها، أو هوية في ظرف وجيز، لذا وجب على هذه القلة أن تتوسع في إنتاجها، لتصل إلى خانة ‘سينما الرُؤى’، لتهزم الأفلام التجارية أو المُتعبة فنيا”. ويرى قادري أن الابتعاد عن السينما التجارية وخلق هوية وجَودة سينمائية خاصة لن يكونا أمرا سهلا، لكنهما غير مستحيلين، خصوصا وأن هناك العديد من الأفلام والتجارب العربية الحديثة وحتى القديمة -وقد تناول هذا الكتاب العديد منها- تشي بأن هناك حركة سينمائية عربية تتشكل في الأفق، استطاعت أن تتحرر من القوالب الكلاسيكية القديمة، وتبحث عن تجارب تعكس الهوية، والذات، والألم والحلم العربيين، ليس الحلم بمعناه الضيق، بل بمعنى خلق حركة سينمائية عربية بأتم معنى الكلمة، وابتكار أدوات وطريقة معالجة غير تقليدية، نتميز من خلالها عن سينما “الآخر”، و ربما يمكننا أيضا تصديرها، لتخرج من الحيز الضّيق وترى العالم، كما يقول. ويربط قادري النجاح في إرساء هذا المسار بضرورة إدراك المخرج أو صانع السينما العربي أن البصمة السينمائية لا يمكن أن تكون في ظل التبعيّة الفنيّة والنّهل من اجتهادات “الآخر”، إلاّ أنّ هذا لا يعني، كما يقول، أن ننغلق على أنفسنا ولا ننفتح، ولكن بشرط أن تكون هناك حدود لكلّ شيء، وألا نذوب في هذا الآخر، وننسى أنفسنا، وإلا بقينا دائما في “تبعية سينمائية”. يقدّم هذا الكتاب “سينما الرؤى/ قراءات ودراسات في السينما العربية الحديثة”، الصادر عن منشورات الدورة العاشرة لـ”مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي” 2017، ودار الحكمة، مقاربات لأفلام عربية، عكست توجّهات وتيّارات مختلفة، حيث يحوي عدّة فئات، طويلة وقصيرة/ روائية ووثائقية، وفي نفس الوقت يقدّم دراسات واستقراء لتجارب عربية محددة، وجد المؤلف أنّها تحمل في طياتها بذرة يمكن أن تنمو ولبنة يمكن أن تتكئ عليها السينما العربية مستقبلا، إذ وصفها بـ”سينما الرؤى”. ونذكر أن عبدالكريم قادري (1982)، ناقد وباحث وسيناريست، أصدر العديد من المؤلفات، ونشر العشرات من الدراسات المتخصصة في السينما بمختلف المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية الدولية والعربية.
مشاركة :