دعا الدكتور علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية في مواجهة الانتهاك الصارخ الذي يتعرض له الشعب القطري، ومواطنو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية جراء حصار قطر، وشدد على أنه من غير المقبول تسليط العقوبات الجماعية على المدنيين، أو الصحفيين من أجل خلافات سياسية ، بل يجب تحييد ملفهم عنها وعن أي مفاوضات أو تبعات سياسية أو اقتصادية. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الدكتور المري في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي حول "حرية التعبير نحو مواجهة المخاطر" الذي بدأ أعماله هنا اليوم وتنظمه على مدى يومين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالتعاون مع الفيدرالية الدولية لحماية الصحفيين والمعهد الدولي للصحافة، وبدعم من المفوضية السامية لحقوق الإنسان و اتحاد البث الأوروبي ومنظمة هيومن رايتس ووتش ، من منطلق الحرص على دعم وتعزيز حرية الرأي والتعبير ومواجهة ما يعترض هذه الحريات والحقوق من تحديات تقليدية وحديثة والإشكاليات بالقانون الدولي. وأوضح رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن عقد هذا المؤتمر يجئ في ظل الحصار الذي تتعرض له دولة قطر، والذي ارتبط بمطالبات تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتهديداً خطيراً لحرية الإعلام. ولفت إلى أن رفع الحصار ارتهن بشروط من بينها إغلاق العديد من المنابر الإعلامية ومنها شبكة الجزيرة وبعض القنوات التلفزيونية، ما يعد تعد على كافة القيم والمبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان ، بشهادة كافة المنظمات الدولية والمؤسسات الإعلامية ، بما في ذلك آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان . ونوه الدكتور المري بأن حضور أكثر من ( 200 ) منظمة دولية حقوقية ، ونقابات صحفيين ومؤسسات إعلامية ، ومراكز الفكر، وجامعات من جميع القارات، خير دليل على وقوف الجميع درعا حصينا مع دولة قطر ضد أي مطالب ، أو دعوات لتقييد حرية الرأي والتعبير والتضييق على الصحفيين واستهدافهم . وقال إن الدول التي فرضت هذا الحصار ، تلاعبت بحياة آلاف الأشخاص ، وتسببت في تشتيت شمل العائلات ، وحرمان أطفال من أوليائهم ، وضرب النسيج الاجتماعي للمجتمعات الخليجية ، إلى جانب تدمير مصادر الدخل للعديد من الموظفين والعمال ، وتحطيم مستقبل الطلبة بطردهم من الجامعات وتعطيل تعليمهم . كما عاقبت دول الحصار مواطنيها بسبب تعبيرهم عن وجهات نظرهم حول الحصار بطريقة سلمية ، أو بمجرد تعاطفهم مع شعب قطر. وأشار إلى أن تلك العقوبات تتراوح بين خمس سنوات إلى 15 سنة ، في وقت انتهك فيه الحصار أيضا الحق في التنقل والملكية ، وتسبب في طرد المرضى من مستشفيات دول الحصار ومنع المواطنين القطريين والمقيمين من ممارسة الشعائر الدينية في الحرم المكي الشريف ، وكذا إرغام الصحفيين الذين يحملون جنسيات دول الحصار على ترك وظائفهم في قطر والعودة القسرية الى دولهم تحت التهديد بالعقوبات والسجن . وأضاف " نود اليوم من خلال جلسات هذا المؤتمر ، تطوير قدراتنا على مجابهة التحديات ، والمخاطر التي تواجه حرية التعبير، إذ تعد حرية الرأي والكلمة وحق الأفراد والإعلام في التعبير عنهما ، أحد أدلة الممارسة الديمقراطية ومقياس الحكم الرشيد، كما تعد حرية التفكير والتعبير والرأي مطلبا شرعيا وقيمة تجسد كرامة الإنسان "، مؤكدا أن الجميع يتفق على أن ممارسة هذه الحرية، يجب أن تكون في الإطار الصحيح بما يحافظ على القيم والمبادئ الإنسانية، وبما لا يشكل خروجا أو خرقاً لهذه المبادئ وتلك القيم. ونبه إلى أنه إذا كانت معظم الدساتير في المنطقة العربية قد كفلت حرية الرأي والتعبير، ونظمت قوانينها حرية الصحافة المطبوعة والإلكترونية ، فإن تلك التشريعات والإجراءات ، لا تزال قاصرة عن إدراك المبادئ الدستورية وتطبيقها ، موضحا في سياق متصل أن معظم القوانين التي تنظم حرية الرأي والإعلام في المنطقة العربية تعتريها الثغرات من استخدام عبارات فضفاضة، تنتقص من حرية الرأي والتعبير بذرائع الحفاظ على النظام العام أو المبادئ العامة، لتبقى هذه المبادئ ضبابية، وغير مُعرفة ، ما يجعل المجتمع في حالة من الجمود، ويضطر الأفراد والصحافة لممارسة رقابة ذاتية . كما يكون الأفراد في بعض المجتمعات ، عرضة لانتهاكات شديدة ، تتراوح بين القمع الشديد ، وتهديد الحريات بالعقوبات ، والسجن والمضايقة وإغلاق الأنشطة وفرض الغرامات ، بينما قد يتعرض البعض للاعتقال ، والمحاكمة بناء على رأي، بل أحيانا على شعور أو إحساس ، فيتعرض الفرد للاعتقال ، وهو ما اعتبره هشاشة لا تحتمل أن يعبر إنسان ما عما يجول في فكره أو خاطره . وشدد على أنه إن كان لتاريخ الحضارة من درس ليعلمنا إياها ، فأن التقدم الفكري والأخلاقي لم يحصل لأي بلد ، إلا في مناخ من الحرية التامة للفكر والحوار. ونبه المري في كلمته إلى أن الإرهاب والتطرف والإقصاء وفرض الإملاءات على الشعوب ،هي أكبر خطر يواجه حرية التعبير ، وحرية الإعلام والوصول إلى المعلومة . وقال إن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير هي الوجه المشرق ، وأمل الشعوب في غد زاهر ، معربا عن ثقته من نجاح هذا المؤتمر، والخروج منه بتوصيات تكون بذرة صالحة ، لتثمر وتزهر ويفوح عطرها " إن لم يكن لنا فلأجل تحمل مسؤولياتنا أمام الأجيال القادمة، التي تستحق أن تحيا بكرامة وحرية. من جهته، قال السيد محمد علي النسور ، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أنه بعد سبعة عقود تقريبا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، لا تزال الكثير من الدول بعيدة جدا عن تطبيق هذه المبادئ سواء كانت دول عربية أو غيرها من الدول. ورأى النسور في الكلمة التي ألقاها في افتتاح المؤتمر، أن الأحداث التي اجتاحت المنطقة العربية خلال هذه السنوات ساهمت في تسارع مبدأ تغليب فكرة الأمن مقابل حقوق الإنسان والتحكم في الفضاءات الديمقراطية مما أثر كثيرا على مفهوم حرية التعبير وإبداء الرأي الحر . وقال إن حرية التعبير هي من الحقوق الشمولية والمتعددة وتتضمن عناصر كثيرة منها حرية الإعلام والصحافة والحرية في استقاء المعلومات وترتبط جميعها بحرية الرأي بشكل وثيق ، ما يجعل حرية التعبير ، من الحريات الأساسية للإنسان وحق من حقوقه . وشدد النسور على أهمية وضرورة حماية حق التعبير وعدم التعدي عليه، لافتا إلى أن الكثير من السلطات والحكومات تلجأ إلى محاولة كبت الحريات بدل من مناقشة الرأي الآخر وهو ما يعد انتهاكا واضحا للمادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . واعتبر المسؤول الأممي المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة ، سابقة خطيرة من حيث أن تلجأ دولة لكبت حرية التعبير في دولة أخرى لمجرد خلافات سياسية أو اختلاف في الرأي . وقال إن الجزيرة ساهمت في تطوير الإعلام بالمنطقة العربية وتحديث وسائله ما ساعد الشعوب العربية على المعرفة . كما استعرض السيد محمد علي النسور المبادئ التي يجب أن تلتزم بها القنوات والمؤسسات الإعلامية وعلى رأسها نبذ خطابات الكراهية والعنف وذلك من خلال مقاربة تكون تلك القنوات فيها هي الرقيب الذاتي على ما يتم بثه ونشره . وأشار أيضا إلى الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في شتى بقاع العالم وخاصة في مناطق النزاع وهو ما يتنافى أيضا مع حقوق الإنسان وحرية التعبير حيث يتعرض الصحفيون في مناطق النزاع خاصة إلى القتل والتضييق ومنعهم للوصول إلى المعلومات وهو ما يعيق عملهم ويؤثر عليه، وهى أمور قال إنها تتطلب العمل على حمايتهم ومساعدتهم في الوصول للحدث وتغطيته . بدوره، قال السيد يونس محمد مجاهد النائب الأول لرئيس الاتحاد الدولي للصحفيين في كلمته إن مشاركة الاتحاد في مؤتمر حرية التعبير، يأتي من منطلق وواجب التضامن مع الصحفيين الذي يواجهون خطر التضييق عليهم وكذلك خطر قطع مورد رزقهم وتشجيع المبادرات التي تحمي حرية الصحافة والتعبير . وأضاف أن الاتحاد الدولي للصحفيين الذي يعتبر نقابة دولية لكافة العاملين في مجال الصحافة يعمل على الدفاع عن كرامة الصحفيين أينما كانوا ويساندهم في الدفاع عن حقوقهم تجاه مشغليهم وكذلك تحسين ظروف عملهم وواجبهم المهني ، وبالتالي فهو يعمل على ضمان حرية الصحافة وكرامة الصحفيين . وأكد على أن الاتحاد الدولي للصحفيين يرفض بشكل قاطع كل التشريعات التي تحد من العمل النقابي وكل ما من شأنه أن يعيق حرية التعبير وفقا للمواثيق الدولية وخاصة مبادئ حقوق الإنسان وحرية الحصول على المعلومات . وبين أن الاتحاد يعمل على ميثاق حرية الإعلام في العالم العربي ومواءمته مع التجارب الناجحة والمتقدمة في البلدان العربية وهي جهود هدفها مواجهة التحديات التي يعيشها الصحفيون في العالم العربي ومنها التحولات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة مما أضر كثيرا بالصحافة الورقية . وشدد على أن العالم العربي بحاجة الآن إلى إعلام حر وديمقراطي وصحافة تقف في وجه التشدد والإرهاب حيث يأتي ذلك من خلال إتاحة أكثر لحرية التعبير وعدم التضييق على الصحفيين في نقل المعلومات والحصول عليها بما يضمن حرية الإنسان وحقوقه . من ناحيته ، دعا السيد جون باروود رئيس المعهد الدولي للصحافة، إلى العمل لأجل حماية الصحفيين وتعزيز حقوقهم حول العالم ، لافتا إلى أن حقوقهم هذه تساوي كل حقوق الإنسان والعكس صحيح . ورأى أن حرية الصحافة والإعلام الآن على مفترق طرق، مشيرا في هذا السياق إلى أن المئات من الصحفيين يقتلون ويستهدفون عن عمد كل عام ويقبعون وراء القضبان في شتى أنحاء العالم وهم يبحثون عن الحقيقة، الأمر الذي يثير القلق . كما انتقد طلب دول الحصار بإغلاق قنوات شبكة الجزيرة، وقال إن التنديد بهذا الطلب ومن ثم سحبه، تم بسبب الضغوط التي مارستها المنظمات الحقوقية والإعلامية في العالم، مبينا أن مثل ذلك الطلب بمثابة مؤشر إضافي على الاستهداف الذي تعانيه حرية الإعلام والصحافة لا سيما بالمنطقة . وأشاد السيد بارود في كلمته بموقف دولة قطر وثباتها في الأزمة الخليجية الراهنة مضيفا القول في هذا الصدد " علينا أن نتعلم من موقف قطر وثباتها في وجه التحالف الذى تقوده السعودية، وفي ذلك درس مهم يتعين على الجميع تعلمه، وعلينا اليقظة دائما وعدم التسليم " . أما السيد جياكومو ميزون من اتحاد البث الأوروبي فتطرق في كلمته بالجلسة الافتتاحية للمشاكل والعراقيل التي تواجه الإعلاميين والصحفيين والانتهاكات التي يتعرضون لها وكيفية مواجهتها . وقال إن الاتحاد يدعم أي مبادرات تحقق هدف سلامتهم ، باعتبار أن حرية الصحافة والإعلام من الأسس التي تقوم عليها أي ديمقراطية حول العالم . وشدد على أن الاتحاد يعارض أي مبادرات تهدف إلى إسكات صوت الإعلام ، وأنه يتعين إتاحة فرص وحق التعبير لأي شخص أو وسيلة إعلامية حتى لو كنا نختلف معها في التوجه والرأي . من جهته قال السيد كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة " هيومن رايتس ووتش " إن حرية التعبير تأتي في قلب الأزمة التي تواجهها قطر، وقال إن قطر ترتقي أخلاقيا بتنظيمها لهذا المؤتمر وبالدعم الكبير الذي تحظى به من العاملين في مجال الصحافة " . واعتبر المؤتمر فرصة لدولة قطر لتعزيز حرية التعبير والإعلام وإجراء المزيد من الإصلاحات في هذه المجالات، وقال إن الأزمة أيضا بمثابة فرصة تاريخية لقطر لتقود المنطقة في مجال حقوق الإنسان . وونوه بأن الذين يتهمون قطر بالإرهاب يمارسونه من خلال دعم وتمويل المتشددين والمتطرفين ، مشيرا على صعيد متصل إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن تسبب في قتل اليمنيين وتجويعهم ، وسبب لهم معاناة إنسانية كبيرة منها انتشار وباء الكوليرا الذي لم يتفش من قبل بهذا المستوى . وأكد على أن الأزمة الحالية محورها حرية التعبير والإعلام ، مبينا أن قنوات الجزيرة أصبحت متنفسا وصوتا ينطق باسم المهمشين في كل مكان . ولفت إلى دور القناة في تغطية أحداث ميدان التحرير بمصر وتوفيرها صوتا للذين تحدوا الأوتوقراطية والحكم العسكري لتصبح بذلك كابوسا للطغاة . يحضر المؤتمر 200 مشارك ، بالإضافة إلى المنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية في مجال حقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية و باحثين وخبراء في مجال السياسات ومراكز البحوث وخبراء من هيئات المعاهدات ومجموعة من المقررين الخواص في منظومة الأمم المتحدة والمنظومات الإقليمية وممثلين عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والنقابات العالمية والوطنية للصحفيين وبعض الشخصيات العالمية. وسيبحث المشاركون من جميع القارات ، في سبل تفعيل ضمانات القانون الدولي لحقوق الإنسان والصكوك والإجراءات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات ومواجهة الإشكاليات والتحديات ذات الصلة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تطرحها التقنيات الحديثة لتكنولوجيا الاتصالات . ويهدف المؤتمر علاوة على ذلك إلى البحث في كيفية حماية الصحفيين ودعمهم وسبل تعزيز إعلام تعددي ومستقل وحر وكذلك حماية الصحفيين في مناطق النزاعات والصراعات وإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي بالتحديات الأخلاقية ، لاسيما المخاطر التي تتعلق بالعنصرية والنزاعات الثقافية والدينية، وإذكاء الأخلاقيات الإيجابية للمهنة .;
مشاركة :