تصدر عن الدار العربية للعلوم، بيروت رواية حارس المدينة الضائعة لإبراهيم نصر الله طبعة جديدة هذا العام في شهر أغسطس 2014. وقد أثنى عليها الكاتب وائل مختار في مقالة عند صدور طبعتها الأولى عام 1998 بقوله: السخرية واضحة في عنوان الرواية، فلا أحد يحرس مكاناً ضائعاً. ولأن المدن، أو ما شابهها، لا تضيع، فإن الضائع الحقيقي هو حارسها الذي كلما التقى شوارع المدينة التقى ضياعه فيها. وسواء اختفت المدينة وظل الإنسان يحرس عزلته الشاملة في شوارعها، أم اختفى الانسان وظلت شوارع التيه، فإن الرعب يحدد حركة الإنسان ومساحة المدينة، ويستولد الغرائبي والوقائع الغريبة. تشتق رواية نصر الله موضوعها من واقع معيش يولد الوقائع الغريبة الخاصة به. فالكاتب يطلق بطله وحيداً في مدينة صامتة هجرها سكانها. وفي الحالين لا يحضر إنسان فقد سواءه بسبب عطب روحي، بل تحضر مدينة اختلت فيها مقاييس الأشياء، وتعايش الانسان مع هذا الخلل إلى أن وصل إلى لحظة نسي فيها معنى المألوف والطبيعي، أي فقد انسانيته. وما السخرية إلا نتيجة لذلك اللقاء المتعثر بين الانسان الذي كان والانسان الذي أصبحه، فالبراءة والعفوية والابتسامة الطليقة من ذكريات طفولة منسية. ويمكن وصف عناصرها حين تبدأ بمواطن ضئيل الشأن يذهب إلى عمله في صحيفة يومية، فيكتشف أنه وحيد مع الشوارع والاسمنت والرايات، وأن المدينة خالية من البشر، وأنه الكائن الوحيد الذي يذهب في الاتجاهات جميعاً ولا يلتقي أحداً. وإذا كان هذا الموضوع يرد، في مستواه الشكلي، إلى الأدب الغرائبي أو "أدب الفنتازيا"، فإن مستواه الدلالي يصادر ما يبدو غرائبياً، ويبيّنه مألوفاً إلى حدود التخمة. الأشياء تبتعد عن عين الانسان وتختفي حين تفقد دلالتها وتتحول إلى وجود مرعب يحاصر الانسان بالخوف. المدينة الضائعة ليست بضائعة، بل موجودة بأهلها وبمؤسساتها، ضاع منها الجوهر الانساني الذي يؤمّن التواصل والتعاطف والحوار. ويحافظ الانسان المرعوب على ما تبقى من وجوده بإقصاء المدينة عن ناظريه والاكتفاء بمزاملة ذاته الضائعة. لذا فإن البحث الطويل لن يكون سوى بحث عن البشر الذين غادروا انسانيتهم، أي رحلة في الأعوام الخمسين لانسان مرعوب ولا يرغب في رؤية البشر. "حارس المدينة الضائعة" عمل أدبي حواري، يسائل الأشكال الروائية القائمة، ويحاور الأدب الساخر ويطرق مجتهداً بواباته المتعددة، ويحاور الواقع العربي مفتشاً عن شكل كتابي يوافقه. كأن نصرالله لا يكتب عن حقائق مجهولة، بقدر ما يبحث عن طرق غير معروفة للتعامل مع الحقائق المعروفة. ولعل فضيلة البحث عن الشكل الروائي الجديد هي التي تجعل روايات نصر الله "براري الحمى"، و"طيور الحذر" و"مجرد اثنين فقط".. تنتمي إلى أشكال روائية مختلفة، أي إلى رؤية مفتوحة وبعيدة عن الانغلاق.
مشاركة :