سأستفز الكُتاب في مقالي هذا، وأنا منهم، وسأنثر ما يجول في نفسي، وما يدور في خاطري عندما أتصفح بعض المقالات المحلية، ومؤلفات هذا الزمان، وأنا أحتسي قهوة الصباح. أقرأ لكُتاب كُثر أذكر بعض أسمائهم لأنهم أعلام، ولا أحفظ أسماء من هم دون ذلك، فمن أتذكر أسماءهم قلمهم سيال، وموضوعاتهم متنوعة، وطريقة طرحهم مبتكرة، وأفكارهم عميقة، ومن لا أتذكر أسماءهم لا تجد لكتاباتهم طعما ولا رائحة بمجرد أن تبدأ بقراءتها، يظهر لك جلياً ما تحمله من موضوعات غير جيدة، وما تحويه من حشوٍ تُملأ به الصفحات، ويتم فيه التلويح باسم الكاتب. كما أن الناظر في بعض المؤلفات الحديثة على أرفف المكتبات، يرى الإبداع في انتقاء غلاف الكتاب، واختيار ألوان العنوان، والبراعة في تزيين اسم الكاتب، وبمجرد أن تتصفح محتوى الكتاب تصاب بإحباطٍ من ركاكة لفظه، وتفاهة موضوعه، ورداءة فكرته، فالكثير من الكتب الآن لمشاهير في الواقع الافتراضي، أو فنانين في الواقع الفعلي أصبح بعضهم كاتباً في ليلة وضحاها، ولبس عباءة الثقافة، فانتشرت كتبه في أوساط من يقتني الكتب ليزين بها بيته كقطعةٍ من الأثاث. الكتابة رسالة شريفة يجب أن تحترم، فعلى كل من اتصف بِاسْم الفاعل منها أن يكون على قدر من المسؤولية فيما ينشر، وعلى قدر من المصداقية فيما يكتب، وعلى درجة عالية من الإيمان بأن ما يكتبه فيه نفعٌ للناس، أو إضافة للبشرية، أو انتصارٌ لصوت الحق، أو إضعاف لصوت الباطل، أو خدمة للدين والوطن. بعد ما تنتهي من قراءة هذا الكلام، تصفح بنفسك بعض المنشور في الصحف، والمركون في أرفف المكتبات، واطلع بنفسك على محتواها، فستجد حتماً منها ما يروي ظمأك، وستجد منها ما يفسد عليك يومك. لن أذكر أسماء من تعجبني كتاباتهم، ولا كتابات من أغض بصري عندما تقع عيني على مقالاتهم، فليس هذا ما أردت أن أبينه، ولكني أردت تذكير من يبدعون بِحبكِ الكلام، وانتقاء الألفاظ، واختيار المواضيع، أن يرفعوا من سقف توقعات قرائهم، فلكل واحد منهم خيارٌ في أن يكتب ما يشاء، ولكن الواجب عليه أن يضع نصب عينيه المسؤولية الملقاة على عاتقه حيال دينه، ومجتمعه، ووطنه، فيكتب بلا محاباة ظالمة، ولا مصلحة وضيعة، ولا نقدٍ بذيء، ولا مدحٍ مقزز تشمئز منه النفوس الأبية وتنفر. الأقلام تؤثر إذا صدقت، وتغير إذا آمنت بما كتبت، فبداية التغيير الحقيقي للأمم بدأ، ويبدأ بالأقلام، وانتهى، وينتهي عندما تجير الأقلام، فتباع وتشترى. إن كثيراً من المفكرين، والمثقفين تغيرت حياتهم بعد أن قرأ بعضهم في كتاب أو أمعن بعضهم في مقال، أو أبحر بعضهم في رواية، فمنها بدؤوا، فأبدعوا، وأناروا عقول الناس بما كتبوا، وغيروا واقع أمة بأكملها بما قدموا، ونشروا. من الواجب على أصحاب الأقلام أن يستشعروا هذا الكلام، فواقع الحال رغم وجود المحسنين، يجود من ينقلون من غيرهم، أو ينسبون إليهم ما صنعه غيرهم، أو ينشرون من المواضع ما يتميز بالتفاهة، والسخف. إن على أصحاب الأقلام المنفرة أن يكفوا شر سخافاتهم عنا، ويهتموا بالمضمون أكثر من اهتمامهم بالغلاف، أو يضعوا أقلامهم جانباً، وعلى أصحاب الأقلام المؤثرة أن يقفوها للبشر، ولا يبخلوا بعلمهم على أحد من العالمين، ويجندوا أقلامهم لخدمة دينهم ووطنهم والنَّاس أجمعين.
مشاركة :