الجامعات الخاصة العربية بالمانشيت الأحمر بقلم: د. ياس خضير البياتي

  • 7/25/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا بد من الاعتراف بأن معظم الجامعات العربية الخاصة، تفتقد إلى الفلسفة التعليمية التي تحدد أهدافها وتبلور نظمها التعليمية، لافتقارها إلى دور المفكر الجامعي الاستراتيجي.العرب د. ياس خضير البياتي [نُشر في 2017/07/25، العدد: 10702، ص(17)] الجامعات الخاصة ليست اختراعًا عربيا، لكن النموذج العربي يحتاج إلى بحث، خاصة أن الجامعات غير الرسمية في دول العالم هي جامعات أهلية، وليست استثمارية. وإذا وجدت جامعة ربحية، فإنها تخضع لشروط صارمة في مواردها المالية إذا أرادت الحصول على الاعتماد الأكاديمي، ولا تكون خاضعة لتأثير أي جهة متفردة في سياساتها المالية. ولذلك من النادر أن نرى جامعة أو كلية يحتكر ملكيتها شخص أو عدة أشخاص، بل هي في الغالب تكون مملوكة لشركات مساهمة. وهناك جدل بين مؤيدي تجربة التعليم الجامعي الخاص في الوطن العربي الذين يرون أن عجز الحكومات عن بناء جامعات جديدة، أتاح الفرصة لمبادرات القطاع الخاص، في حين لا يرى المعارضون للتجربة ضيرًا في وجودها، بشرط أن تشكل إضافة نوعية للتعليم. من ناحية المبدأ، لسنا ضد الجامعات الخاصة، فهذا يعني أننا ضد المستقبل، لأن الحضارة الحديثة قامت أساسا على هذه الجامعات ومراكزها البحثية، وأنتجت علماء ومفكرين واستراتيجيين كانوا صناعَ وقادةَ الحضارة وثوراتها التقنية، لكننا ضد الجامعات العربية الخاصة التي قامت على الاحتيال العلمي، وتجارة العلم بتغليب البعد التجاري على البعد التعليمي، لأن الجامعات لا يجب أن تعتبر نفسها خارج إطار المسؤولية، ولأن الطلبة وأولياءهم هم الطرف الأساس في المعادلة. والمبدأ الأساس الذي على الجامعات اعتماده هو الحس بالعدالة والتضامن الاجتماعي. وهذه من الأساسيات التي بنيت عليها مؤسسات التعليم العالي في العالم. مهم أن تحافظ المؤسسة التعليمية على رسالتها التربوية والاجتماعية، إذ أنها معنية بالحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي يضم الطبقات الغنية والمتوسطة وحتى الفقيرة، كلها على حد سواء، وأن تجتمع في صف دراسي واحد وتتلقى نوعية التعليم نفسها، فعلى هذه القاعدة تم تأسيس العديد من المؤسسات التربوية العريقة. والمشكلة في نظري ليست في مبدأ الربحية، إذ ليس هنالك ضير في فكرة الاستثمار في التعليم وإيجاد مجال للتنافس في القطاع الخاص لتقديم تعليم جامعي أفضل وأيضاً إيجاد فرص للاستثمار والربح المادي المقبول والمشجع للمزيد من الاستثمار في هذا المجال الحيوي، لكن المشكلة في مثل هذه التنافسية والفاعلية الإيجابية أنها تتطلب وجود جهة أو منظومة رقابية متكاملة تقوم بدور توفير الحماية لكل الأطراف، وتعطي الأولوية القصوى للجانب التعليمي والبحثي، وتقوم بمهمة الإشراف والتدقيق في أرباح تلك الجامعات ومقارنتها بالمردود العلمي والبحثي الذي تقدمه، وعلى حد علمي المتواضع لا توجد إلى هذه اللحظة جهة أو منظومة تقوم بهذا الدور المهم في معظم الدول العربية. ولا بد من الاعتراف بأن معظم الجامعات العربية الخاصة، تفتقد إلى الفلسفة التعليمية التي تحدد أهدافها وتبلور نظمها التعليمية، لافتقارها إلى دور المفكر الجامعي الاستراتيجي وإلى القائد الإداري المفكر بما يجعلها قادرة على خلق نموذجها الخاص، ورؤيتها دون استنساخ لنظم جامعية أجنبية قد لا تتطابق مع البيئة التعليمية للمكان وخصوصية هوية التعليم، ومهارات الطلبة ومخرجات التعليم الثانوي، وهذا ما جعلها بالنتيجة جامعات تدريس فقط أي مدارس تعليم عام تحت مسمى مؤسسات تعليم عال. وبشكل عام فإن واقع التعليم في هذه الجامعات الخاصة، وهي صفة الجامعات العربية الحكومية والخاصة، يغلب عليه الجانب النظري، حيث الاستمرار في تصميم المناهج، وإعداد الكتب والمواد التعليمية بالأساليب التقليدية التي تكرس حفظ المعلومات واسترجاعها عن عمليتي التعليم والتقويم، مما يقلل الاهتمام بالمهارات التعليمية العليا والبحث العلمي، إضافة إلى أن النظم التعليمية تعاني من ضعف تطابق مخرجاتها وطلب سوق العمل، وافتقارها إلى المرونة للتكيف مع احتياجات السوق المتغيّرة، وطغيان الصفة الجامعية على مؤسساتها، ما يجعلها قاصرة عن توفير التنوع المطلوب الذي يلبي الاحتياجات المتعددة لسوق العمل، إضافة إلى سيطرة التخصصات الأدبية والنظرية على برامج التعليم الجامعي حيث تبلغ نسبتها الثلثين تقريباً في أغلب الدول العربية. فنحن اليوم أمام جامعات خارج عصر العولمة والثورة المعلوماتية، تجتر ماضي المناهج التقليدية في فترة خمسينات وستينات القرن الماضي. ومن المؤسف أن تتحول بعض الجامعات، أقول بعضها، إلى دكاكين علم، يتحول فيها العلم إلى سلعة تباع بأثمان مادية، لقاء علم مجتزئ، وأفكار تقليدية نمطية لا حياة فيها للعصر الجديد، حيث التلقين امتياز، والابتكار مفقود، والمال الكثير لقاء الفقر الكبير، فلا تشعر أنك بمؤسسة جامعية، بل محلات أشبه بـ”سوبر ماركت” تبيع كل شيء: سلعا علمية فاسدة، وبرامج منتهية الصلاحية، وشهادات لا علاقة لها بسوق العمل، بل إنها مراكز للتدريب على تنشيط العقل على فنون الغش العلمي، والعلاقات العامة المشبوهة. ومن المؤسف أن نجد بعض الجامعات مجرد فيلات وبيوت، لا يصلح بعضها للسكن العائلي، فكيف تحولت إلى غرف للأساتذة، وقاعات دراسية ومختبرات علمية؟ وكيف تحولت كليات جامعية إلى جامعات؟ رغم أنها لا تستحق أن تكون مبانيها روضات للأطفال، إذا لم تكن هناك سلطات و”إخوانيات” وصفقات وفساد، بل إن سوق هذه الجامعات تمتلئ بما هو أفسد وأخطر، حين يتحول الأستاذ الجامعي إجبارا إلى بائع علم فاسد، ومحتال خارج تغطية الضمير الإنساني والتربوي، حين يضطر إلى السكوت عن ممارسات الطلبة السلبية، وأفعالهم الشنيعة، في مجال الغش والامتحانات وتسريب أسئلة الامتحانات، وأحيانا بيعها، ضمن صفقات مشتركة بين الأستاذ وإدارة الجامعة. بل إن بعض هذه الجامعات تستغل ظروف الأستاذ المادية لتخصيص راتب زهيد، وبدون مميزات التأمين الصحي والإقامة والمخصصات الإضافية، ومع ذلك يسكت الجميع. ما هو أخطر اليوم، أن الجامعات الخاصة بدأت تتسابق في طرح برامج الماجستير والدكتوراه، وهي مصيبة كبيرة، فإذا كنا نسجل كل هذه السلبيات على بعض الجامعات الخاصة في برنامج البكالوريوس، فكيف تستقيم الأمور بالدراسات العليا، وهو أمر لا يمكن التساهل به مع الجامعات التي تتهاون في صناعة هذه الشهادات الفاسدة، وإخراجها بشكل يثير الشك والريبة، فهي صناعة مال واحتيال، لا صناعة علم وفكر! لذلك سنضطر إلى دق ناقوس الخطر، وكتابة مانشيت باللون الأحمر: الجامعات الخاصة في خطر! أستاذ بكلية الإعلام جامعة عجمان د. ياس خضير البياتي

مشاركة :