قال تقرير لبنك الكويت الوطني إن الاقتصاد القطري سجل معدل نمو متواضع بلغت نسبته %2.2 في عام 2016 متراجعاً من %3.5 في عام 2015، على خلفية تقليص انتاج النفط والغاز (-1%) وتباطؤ نشاط القطاع غير النفطي (%5.6). وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع «الوطني» أن تتسارع وتيرة النمو بعض الشيء خلال العامين الحالي والقادم بنحو %2.5 و%3.1 على التوالي بفضل زيادة انتاج الغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي والمكثفات من الجانب الهيدروكربوني. في حين يتوقع أن يتراجع انتاج خام النفط بواقع 30 ألف برميل يومياً في المتوسط على خلفية اتفاقية الأوبك لتخفيض الانتاج. في حين سيؤدي النمو المتواصل في قطاعات الانشاء والخدمات والنقل للمساهمة من الجانب غير الهيدروكربوني. حيث إن برنامج تنمية البنية التحتية الحكومي الذي تصل قيمته إلى 200 مليار دولار الذي يعد جزءاً من خطة التنويع الاستراتيجي في ضوء رؤية قطر الوطنية 2030 واستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، الأمر الذي سيكون من شأنه دعم نمو هذا القطاع حتى مع مواصلة الحكومة تشديد قبضتها على الإنفاق العام. وبطبيعة الحال، فإن الخلاف الدبلوماسي الذي وقع مؤخراَ بين قطر ودول الجوار، والذي ترتب عليه حد وسائل النقل الجوي والمواصلات، بل وحتى الروابط المالية، قد يؤدي إلى تغيير المعادلة بشكل ملحوظ مع التأثير على الآفاق المستقبلية. ووفقاً للمدة التي قد تستغرقها الأزمة – والتي امتدت لشهرين وأكثر حتى الآن – قد يكون الأثر الذي ستخلفه على تدفق السلع والخدمات والأفراد ورؤوس الأموال كبيراً جداً، إلى جانب الانعكاسات السلبية على قطر في مجالات التجارة والسياحة والعمالة وسيولة القطاع المصرفي. وتعد جميع تلك العناصر من المكونات الرئيسية الاستراتيجية التنويع في قطر. وقد تؤثر هذه العناصر سلباً على النمو الرئيسي. ومن المؤكد أن التضخم سيزداد بالتأكيد، مع إعادة توجيه السلع والمواد الاستهلاكية، في حين أن النظام المصرفي، مع حصته من المطلوبات الأجنبية المرتفعة، يمكن أن يعاصر تدفقات خارجية وارتفاع التكاليف. وتوقع «الوطني» أن يتراجع التضخم الى %1.5 في عام 2017 قبل أن يعاود الارتفاع مجدداً الى %3 خلال العام القادم بعد معاودة اسعار المواد الغذائية ارتفاعها ببطء وتحسن النمو الاقتصادي. وبالطبع فانه اذا ما استمر النزاع الدبلوماسي لعدة أشهر، ونتج عنه تأثر إمدادات المواد الغذائية والسلع إلى داخل قطر او تعرضها لتكاليف اضافية لتغيير مسار قدومها للبلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم أثر ذلك على مؤشر أسعار المستهلك. العجز سيتراجع وسجلت قطر عجزاً مالياً للعام الثاني على التوالي خلال 2016 وبلغت نسبته -9% من الناتج المحلي الإجمالي. حيث أثر تراجع عائدات النفط والغاز بشدة على الموارد المالية للحكومة. واستجابة منها لذلك، شرعت السلطات القطرية في ضبط الأوضاع المالية وتقليص النفقات الجارية من خلال تجميد رواتب القطاع العام وتخفيض عدد الموظفين الوافدين وتقليل عدد الوزارات. كما تم رفع الدعوم عن الوقود والخدمات والتخلص من مشروعات البنية التحتية غير الأساسية مثلما فعلت غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المقدر ان يشهد العام الحالي مزيداً من القيود المالية، لكن مع استهداف تمويل مشروعات البنية التحتية إلى حد كبير، والتي ينبغي استكمال معظمها في الوقت المحدد قبل بدء إستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. ومن المتوقع ان ينكمش العجز بواقع %-5.1 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 ثم إلى %3.5 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 وذلك بفضل التحسن المتوقع في أسعار الطاقة. وقامت قطر ببيع سندات وصكوك تخطت قيمتها أكثر من 17 مليار دولار في عام 2016، من ضمنها 14.5 مليار دولار تم جمعها من المستثمرين الدوليين. وشمل ذلك إصدار سندات عالمية منقسمة إلى ثلاث شرائح مقومة بـ9 مليارات دولار في شهر مايو الماضي. وقد نتج عن ذلك ارتفاع شديد في الدين الحكومي (الإجمالي) من نسبة %44.6 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 إلى %67.2 في عام 2016. حيث ساعد لجوء قطر إلى اسواق الدين في دعم قوائمها المالية وضخ السيولة في النظام المصرفي، والذي كان في أمس الحاجة إليها. إلا ان ارتفاع إصدارات الدين لم ينجم عنه تراجع احتياطيات النقد الأجنبي للدولة، التي تراجعت إلى 34.4 مليار دولار في أبريل او ما يعادل %3.6 على أساس سنوي. كما تبرز أرقام شهر أبريل تراجع مستوى الاحتياطي بواقع 11.6 مليار دولار أو ما يعادل %25 مقارنة بأعلى مستوياته البالغة 46 مليار دولار في نوفمبر 2014. ولا تزال تغطية الاحتياطيات للاستيراد في حدود 6.6 أشهر، أي أكثر من ضعف فترة الثلاثة أشهر وفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي لأنظمة أسعار الصرف الثابتة. زيادة الاقتراض الحكومي وخلال عام 2016 انتعش نمو إجمالي الائتمان من أدنى مستوياته التي بلغها في أوائل عام 2015 ليصل إلى %12.1، مدفوعا بإقراض القطاع العام. وبنهاية أبريل، تراوح نمو الائتمان في حدود %9 على أساس سنوي، مع نمو الإقراض الممنوح للقطاعين العام والخاص بنسبة %15.9 على أساس سنوي و%5.1 على أساس سنوي على التوالي. وكان نمو الائتمان الممنوح إلى القطاع الخاص أقل مما يقتضي لدفع ذلك القطاع للمشاركة بالكامل في خطة التنمية الحكومية. ويعتبر الإقراض العقاري هزيلاً على وجه الخصوص، كما أن الطلب على قطاعات الصناعة والمقاولين ومستهلكي التجزئة لا يزال ضعيفاً. في غضون ذلك، شهد القطاع المصرفي نمواً ثنائي الرقم للودائع منذ شهر ديسمبر الماضي مع تحسن أسعار النفط خلال تلك الفترة. حيث ارتفع إجمالي الودائع بواقع %16.4 على أساس سنوي بنهاية أبريل. وقد ارتفعت الودائع الحكومية والخاصة على حد سواء بنسبة %0.3 و%12.1 على أساس سنوي على التوالي. في حين انه على الرغم من استمرار ارتفاع ودائع الوافدين بنسبة %56 على أساس سنوي، فإنها لم تتضاعف مثلما حدث العام الماضي. وينعكس تحسن السيولة على نسبة القروض إلى الودائع في القطاع المصرفي التي انخفضت منذ بداية العام مع تجاوز نمو الودائع لنمو الائتمان. واعتبارا من أبريل، بلغت تلك النسبة %111.6، بعد أن كانت في أعلى مستوياته البالغة %119.9 في فبراير 2016. وقد ساهم تراجع الودائع الحكومية (%-11.1) خلال العام الماضي والنمو الضعيف للودائع الخاصة (%0.9) في تسريع اعتماد البنوك التجارية على الأموال الأجنبية وأدى إلى ارتفاع المطلوبات الخارجية. وبلغ صافي المطلوبات الخارجية 182.5 مليار ريال قطري (50.1 مليار دولار أميركي) في أبريل، بارتفاع بلغت نسبته %28 على أساس سنوي. وتعتبر معظم المطلوبات عبارة عن ودائع لغير المقيمين، وتحويل ودائع بين البنوك وأوراق الدين، كما انها في الأغلب ذات استحقاق قصير الأجل في اغلب الأحيان أي أقل من 12 شهراً. وتم توجيه معظم الأموال التي جمعت في الخارج نحو الإقراض الداخلي، واتجهت شريحة كبرى منها نحو تمويل مشروعات البنية التحتية الحكومية، التي تميل إلى كونها طويلة الأجل. ويعتبر هذا التفاوت الكبير في العملة الأجنبية بالإضافة إلى مدى اعتماد النظام المصرفي على الأموال الأجنبية جزءا كبيراً من السبب الكامن خلف تخفيض التصنيف الائتماني طويل الأجل لقطر، إذ يمثل ما نسبته %38 من إجمالي مطلوبات البنوك و%167 من الموجودات الأجنبية كما في أبريل. حيث خفضت وكالة ستاندرد اند بورز مؤخراً التصنيف السيادي لقطر إلى AA- بعد العزلة الدبلوماسية التي فرضتها عليها السعودية وغيرها من دول الجوار. وتم وضع جميع تصنيفات قطر (بما في ذلك أكبر أربعة بنوك في الدولة) على قائمة المراقبة لمزيد من التقييم السلبي، في خطوة تمت مضاهاتها من قبل وكالة فيتش. ويتمثل الهاجس الرئيسي في احتمالية تدفق الأموال الخارجية إلى خارج البلاد إذا ما استمرت الأزمة دون حل.وعلى الرغم من عدم تخطي تعرض البنوك القطرية لمصادر النقد الخليجية عن %8 من إجمالي المطلوبات الأجنبية (75 مليار ريال قطري أو ما يعادل 26 مليار دولار)، فإن هناك إمكانية مرتفعة لرحيل الأموال غير الخليجية في حال تصاعد الأزمة، حيث قد تقرر الكيانات الأجنبية ان الانكشاف على قطر لا يستحق المجازفة. وادراكاً منها لذلك، قامت البنوك القطرية برفع أسعار الفائدة على الودائع بحوالي 100 نقطة أساس فوق سعر الليبور، ذلك بالمقارنة بمتوسط فرق قدره 20 نقطة أساس قبل وقوع الأزمة. وقد انعكس أثر ذلك على الأسواق مع إعادة تسعير المخاطر القطرية بشكل قوي وشهدت تكاليف الاقتراض قفزة كبرى مع ارتفاع أسعار الفائدة بين البنوك بمعدل 29 نقطة أساس إلى %2.21 مقارنة بالأسبوع السابق. في حين اتسعت هوامش أسعار مبادلة مخاطر الائتمان من 58 نقطة أساس قبل الأزمة إلى 92.5 نقطة أساس كما في 12 يونيو، وارتفع العائد على السندات القطرية بنحو 25 نقطة أساس، في حين تراجع مؤشر بورصة قطر، المؤشر الرئيسي للأسهم المتداولة في السوق، بمعدل %7 منذ بداية العام وحتى تاريخه وبلغ 9.135 نقطة وكان أداؤه ايجابياً في بداية شهر يونيو. وتعرض الريال القطري للضغوط في الأسواق الآجلة مع تزايد التكهنات المتعلقة بأن المقاطعة المالية الكلية من دول الجوار لقطر قد تؤدي إلى رحيل التدفقات المالية وتشديد ظروف الائتمان وإجبار القطريين على التخلي عن ربط الريال القطري بالدولار الأميركي. إلا اننا نرى ان هذا الاحتمال مستبعد جداً. حيث ان السلطات القطرية عازمة على استمرار ربط عملتها بالدولار الأميركي ولديها ما يكفي من الموارد للدفاع عن ذلك. وستكون لدى السلطات، التي تمتلك أصولا بقيمة 335 مليار دولار من أموال الثروة السيادية لدى جهاز قطر للاستثمار، فضلا عن 34 مليار دولار من الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي، موارد مالية وافرة لمواجهة هذا الاضطراب المالي (تغطية تعرض أصول البنوك القطرية لدول مجلس التعاون الخليجي بمعدل 14 مرة). أضف إلى ذلك، أن الكلفة السياسية والاقتصادية لفك ارتباط الريال القطري بالدولار الأميركي قد تؤدي إلى تقزيم أي منفعة مستقبلية تصب في مصلحة قطر.
مشاركة :