عبقرية العقل.. لا خرافة نقاء الدم! - يوسف الكويليت

  • 7/6/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خيبة الأمل تلاحقك حين ترى شعوباً لا يجمعها دين أو تراث أو لغة تقدم نموذجها الحضاري والإنساني، وتلتزم بأخلاقية الإخاء، وترى الانضباط في العمل قمة الوطنية في شعور بأن الجميع شركاء في الانتماء لهوية واحدة، ومسؤولية مشتركة، لا هتافات أو نزعات عرقية أو دينية، وهنا التميز لهذه الشعوب التي استطاعت أن تصعد وأن تضع لها قدماً مساوية لمن كانوا يرونها عبئاً بشرياً على كوكبنا.. منذ عدة عقود وأنا أزور الشرق الأقصى، وفي كل زيارة أجد الإضافات الجديدة ليس فقط في التنمية والتقدم الصناعي، بل وضع الإنسان محوراً لهذه التنمية الشاملة، وكيف طبقوا نموذج الغرب بدون شعور بالدونية أو تقليده كنموذج، وإنما صاغوا أهدافهم على قواعدهم الخاصة لدرجة أنك لا تجد الكلاب المستأنسة في الشوارع، ولا طبع القبلات امتهاناً لتقاليد وذوق المجتمع وسط الناس، وحتى المراكز المسموح بها للتدخين، تجد نسبة الأجانب أكثر من المواطنين، ويعجبك كيف يسرع الملايين لوجبتيْ الغداء والعشاء كل حسب إمكاناته، وبضوابط دقيقة في تناول الطعام وساعاته المحدودة، ثم الانصراف للعمل بنفس دقة التوقيت وبلا ضجيج، ثم مبدأ التسامح في بلد مثل ماليزيا متقدمة في كل شيء، وثقافتها وتراثها وأكثريتها الشعبية مسلمة، لا تجد من يخرج متظاهراً في بناء معبد هندوسي أو بوذي بجانب مسجد، ولا يستنكرون على مواطن من جذور هندية أو صينية أن يلتزم بقواعد حياته ولغته وديانته لأن القانون كفل للجميع حق المواطنة، ولم يقف أمام المنافسة في التحصيل العلمي أو التجاري، ولا تخصيص وظائف لفصيل دون آخر؛ لأن الكفاءة هي من يحدد قيمتك الاجتماعية ومحور موقعك في المكان الذي يختارك.. السائق الملاوي الذي كان يتكلم العربية جيداً، ومتدين لدرجة وضع المصحف في مقدمة سيارته، كان أمامنا صيني يحمل جنسية ماليزية يركب سيارة فاخرة من طراز «فراري» قال السائق: قيمة هذه المركبة تتجاوز الأربعة ملايين «رينجت» قلت هل تحسده عليها؟ رد بما يشبه الاستنكار، ولماذا؟ الرجل عمل واستحق ثمرة عمله وهو لا تنسى مواطن أضاف لنا الكثير إذا ما كان صاحب شركة كبرى أو مصانع، أو أي دور يلعبه في وطنه؟ هذه النماذج هي التي فضلت عبقرية العقل على أرومة ونقاء الدم، أو احتكار الوطن لفئة حتى لو كانت الأصل في بلدها، لأنه لا عطاء سيكون ما لم تحمه ثقافة وإيمان وعقد وطني لا يفرق بين المذاهب والأديان وحقوق الإنسان التي هي درع الوقاية من الانشطار الوطني، والذهاب إلى عالم وحوش الغابة.. استيعاب القيم ليس فقط من قبل النخبة المتقدمة ثقافياً أو فلسفياً وإنما تأكيدها ضمن الهوية الوطنية، التي جعلت تربية شعوب الشرق الأقصى مبهرة وعظيمة، وكيف أنها تضحي بوقت فسحتها من أجل إضافة رقم لدخولها في أي وقت تحتاجه أوطانها، وعند المقارنة بيننا كعرب، وبينهم، أجد أنهم قبلوا التحديات واستوعبوها وشرعوا في بناء مشروع نهضتهم، ونحن فتحنا ثغرات التاريخ لنتقاتل من أجله وعليه!

مشاركة :