نحن إذ نضع يدنا على أرنب ناعم صغير ونمسده لا يمكننا أن نتوقع منه سوى أن يكون ناعما في الوقت الذي لا يمكننا أن نتوقع نعومة ونحن نمسّد قنفذا!العرب ريم قيس كبّة [نُشر في 2017/07/26، العدد: 10703، ص(21)] "أنا جاد في قولي.. لا تعاتبيه.. ولا تحاولي أن تبدي أي استياء منه.. فالرجل الذي اعتاد الظهور فجأة والاختفاء فجأة إنما هو شخص يخشى العتاب والمواجهة.. وهو لا يملك من الحب ما يكفي ليمنحه لك.. والأسهل أن تدعيه وشأنه.. وأن تفهمي طباعه وتحاولي أن تشرحي له طباعك.. كأن تبلغيه بلطف بما لديك وما تستطيعين فعله واحتماله منه دون جرح أو تأنيب.. أو أن تنسحبي من العلاقة بهدوء إذا لم يكن باستطاعتك تقبل تلك الطباع.. تعلمي أن تفهمي الآخر ليتعلم فهمك هو أيضا.. والحب يستحق التضحية". بهذه الكلمات استهل ماثيو بوغز أحد حواراته موجّها حديثه للنساء مشيرا إلى صفات رجل بعينه، وماثيو بوغز كاتب واستشاري محادثات وعلاقات عامة، ومؤلف كتاب “المشروع الأبدي” الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة منذ أعوام، وهو يحدث جمهوره دائما بقوله إن مهمته في الحياة هي نشر الحب والوئام في العالم. تحيلنا نصائح ماثيو إلى فكرة أن تعميق المعرفة للآخر تجعلنا نجيد التعامل معه، بعضنا ربما يعتمد على الخطوط العامة التي ترسمها لنا الأبراج وقراءة الطالع، فشخصية الرجل العقرب مثلا تختلف عن شخصية الرجل السرطان، وردود أفعال من ولد في عام الحية لا تشبهها عند من ولد في عام الديك.نحن إذ نضع يدنا على أرنب ناعم صغير ونمسده لا يمكننا أن نتوقع منه سوى أن يكون ناعما بينما قد يعتمد البعض الآخر على تراكم المعرفة والخبرة في التعامل مع البشر، وقد يفضل البعض اتباع الشعور الداخلي والحدس، وأيا ما كان أسلوب التعامل فإنه في النهاية يجعلنا نتوقع الأشياء ربما قبل حدوثها مع الآخرين، ولكن تبقى دائما ثمة مفاجآت تربكنا وقد تصدمنا، وعلى وجه الخصوص حينما يعلو سقف توقعاتنا وثقتنا في الآخر، إذ تخدعنا مشاعرنا وتجعلنا أحيانا نراه في غير حجمه الحقيقي، لأننا إذ نحب، بغض النظر عن ماهية ذلك الحب وعن التسميات التي تصفه، فإننا نغدق من مشاعرنا وتصوراتنا الخاصة على الآخر بما ليس فيه، ولذا فإن معرفته أكثر وفهم طبيعة شخصيته سيجنباننا ما قد تأتي به المفاجآت غير السارة. وثمة مثال بسيط جميل قد يوضح هذه الصورة، فنحن إذ نضع يدنا على أرنب ناعم صغير ونمسده لا يمكننا أن نتوقع منه سوى أن يكون ناعما في الوقت الذي لا يمكننا أن نتوقع نعومة ونحن نمسّد قنفذا! فهو مغطى بالأشواك، والقنفذ الخائف يتحول إلى كرة صلبة من الشوك، وهو لا يفعل ذلك ضدنا نحن بشكل خاص إنما هي ردة فعل عامة تعكسها طبيعة القنفذ، وسيكون المطلوب منا فقط أن نشعره بالأمان وألا نجعله يخاف منا! من هذا المثال البسيط نستطيع أن نعتمد مبدأ مهما في التعامل مع الآخرين، وهو مبدأ فهم الآخر وتقبله ومعرفة طباعه على ما هي عليه، شرط أن يكون الدافع أولا وأخيرا هو المحبة والتقبل، وأن نحرص قدر المستطاع على أن تكون تصرفاتنا أصيلة حقيقية وألا تكون بدورها ردود أفعال محض لتصرفات الآخرين. أتذكر هنا تلك القصص والنصائح التي كانت ترويها الجدات وهن يحاولن منح خبراتهن في الحياة للبنات الصغيرات قليلات التجربة، ومع فارق الحداثة، فإن الهدف في الاثنين واحد وهو نشر المحبة والوئام بين البشر. شاعرة عراقية ريم قيس كبّة
مشاركة :