بعد سبعة أشهر من انتزاع قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة لها مدينة حلب شمالي سوريا، من أيدي المعارضة المسلحة، لم يظهر وجود يذكر للدولة، فأغلب الخدمات التي شاهدها مراسلو وكالة رويترز يقدمها السكان، أو تأتي بمساعدة من وكالات الإغاثة الدولية أو الجمعيات الخيرية المحلية. في شرق حلب، ما زالت الجثث راقدة تحت الأنقاض، والمقابر ممتلئة، والسكان يعانون من انقطاع الكهرباء ونقص الخبز، وبعض الأطفال يتلقون الدروس في المساجد، لأن مدارسهم ما زالت مدمَّرة بسبب الحرب. وتوضح الأمم المتحدة أن نحو 200 ألف شخص عادوا إلى شرق حلب، الذي تم إخلاؤه أثناء القتال، أغلبهم من أماكن إقامة مؤقتة في مناطق تسيطر عليها الحكومة. لكن في حي الكلاسة، الذي زارته «رويترز» في أوائل فبراير، ثم في منتصف يوليو، مع مسؤول حكومي، حضر بعض اللقاءات مع السكان، بدا انتعاش المدينة بطيئا وغير معتمد على الحكومة، بدرجة كبيرة. فالكهرباء تأتي من مولدات، والمياه من آبار وخزانات تملأها منظمات الإغاثة، والخبز من الجمعيات الخيرية، والتعليم الأساسي والرعاية الصحية بمساعدة من الأمم المتحدة. وأزالت الحكومة تلالا من الأنقاض من الشوارع الرئيسة، بعد القتال، وقال عبد الغني القصاب، مساعد محافظ حلب لـ«رويترز» إن الدولة هي المسؤولة في نهاية الأمر عن الخدمات التي تقدمها منظمات الإغاثة. لكن في حي الكلاسة، الذي استعادته قوات النظام في ديسمبر، بعد قصف عنيف، بمساعدة من روسيا وإيران، تظهر أوضح إشارة إلى وجود الدولة في نقطة تفتيش مبنية بالخرسانة وفي ملصق كبير لصورة رئيس النظام بشار الأسد، كتب عليه «سنعيد البناء». الدروس الصعبة كان يفترض أن يتلقى غسان بطاش (8 سنوات) دروسه في مدرسة اليرموك، لكنها غير قابلة للاستخدام، فمازالت جدرانها تحمل شعار «جيش الإسلام»، وهو فصيل معارض، جعل من المدرسة قاعدة له. وفي المكتبة وُضع مدفع محلي الصنع. وتظهر في ساحة المدرسة أيضا حفرتان كبيرتان نتيجة القصف الجوي لمواقع مقاتلي المعارضة، الذي تسبّب بتدمير الفصول الدراسية. ولم يترك ذلك لغسان سوى الاختيار بين السير إلى مدرسة في مكان آخر، أو تلقي الدروس في المسجد. وذكر القصاب أن أقل من ربع مدارس شرق حلب البالغ عددها 200 مدرسة هي فقط التي تعمل. وأضاف أن الحكومة تعمل مع الأمم المتحدة لإعادة تأهيل مئة مدرسة أخرى. حي الكلاسة عندما زارت «رويترز» حي الكلاسة في المرة الأخيرة، لم يكن هناك كهرباء أو مياه، وكانت الأسر تعتمد على مصابيح البرافين في الإضاءة، وعلى أخشاب يجمعها الأطفال من بين أنقاض المنازل للتدفئة. وبدا الوجود الحكومي ضئيلا في الكلاسة، ما عدا نقطة تفتيش، كبر حجمها منذ فبراير الماضي، بإضافة حواجز خرسانية لحماية الجنود. وشكا كل من تحدثت معهم «رويترز» تقريبا، سواء في الكلاسة أو في حلب بشكل عام، من نقص الكهرباء والماء. ويثور الخلاف حول ما إذا كان نقص الخدمات الأساسية يرجع إلى محدودية قدرات الحكومة أم إلى نطاق الدمار أم إلى عدم الاهتمام بمناطق كانت تسيطر عليها المعارضة. وكانت حلب أكثر المدن السورية سكانا قبل الحرب، وكانت محرك الصناعة في البلاد، ومثلت استعادتها أكبر انتصار للأسد، وسط سلسلة انتصارات أقل شأنا في معارك أخرى.
مشاركة :