يدرك النظام القطري قبل غيره أنه أطلق قناة «الجزيرة» في نوفمبر 1996، لا لتكون وسيلة إعلام تلاحق الخبر وتحتضن الرأي والرأي الآخر، وإنما لتكون منظمة حكومية ذات واجهة تلفزيونية، تخفي وراءها وظائف استخباراتية ودبلوماسية ودعائية ودعوية وبحثية، وأذرعاً للتجسس والاختراق الأمني والتحريض الاجتماعي والاستقطاب والتجنيد، والتدريب التنظيمي المرتبط أساساً بجماعة الإخوان كونها تمثل الجناح السياسي داخل مؤسسة الحكم في الداخل. وعلى امتداد 20 عاماً، نجحت القناة في القيام بدورها، لا كحاضنة للإرهاب أو محرضة عليه فحسب، ولكن كمخترقة للأنظمة والحكومات وأجهزتها، وكجسر للتواصل بين الجماعات الإرهابية وتنظيم الحمدين، وكغرفة عمليات في ساحات الصراع لتأجيج لهب القتال بين الفرقاء، وبلغ بها الأمر أن تتحول إلى جهاز لرصد التحركات وتحديد الإحداثيات الميدانية والدفع بها إلى سلطات القرار السياسي لاستعمالها في خدمة تحالفات مشبوهة مع الأعداء بمختلف هوياتهم ومسمياتهم. كما مثّلت «الجزيرة» جناحاً دعائياً لكل الجماعات المتمردة، والساعية للحكم بقوة السلاح، أو بالنشاط الإرهابي الممنهج من أفغانستان إلى شمال مالي، مروراً بالبحرين والعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وفلسطين والصومال، ودفعت بخبرائها وإعلامييها لتنظيم الدورات التدريبية لعصابات الإخوان ومن يتحالف معهم، وفتحت استوديوهاتها لمن تصفهم بالناشطين الحقوقيين والسياسيين، وهم في أغلبهم من المعارضات الراديكالية التي تتآمر ضد دولها وشعوبها ومجتمعاتها، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهاز المخابرات القطري، وبالإدارة المالية للديوان الأميري، حيث يُدفع بسخاء لكل من يبدو عليه الاستعداد لتبني المشروع التخريبي في المنطقة ومبايعة شيخ الفتنة المدعو يوسف القرضاوي على السمع والطاعة. ومنذ أوائل 2011 كشفت «الجزيرة» عن نفسها كمنظمة إرهابية تقف بقوة وراء التحالف الوثيق بين الإخوان و«القاعدة»، وتقوم بالتجييش والتحريض والتشجيع على سفك الدماء وقتل الأبرياء بدعوى تأييدهم للأنظمة الحاكمة، ولا ترى مانعاً من فبركة الأخبار وتزييف الوقائع والتلاعب بالمعلومات واعتماد الخدع المرئية من خلال أشرطة مصورة يتم تركيبها حسب الاتجاه العام للمشروع التخريبي، إضافة إلى استضافة العناصر الإرهابية وتقديمهم على أنهم ثوار من أجل الحرية، وترويج الفتاوى الدينية التي تبيح القتل والتمرد المسلح والسبي والأسر والاستحواذ على ممتلكات عامة وخاصة واعتبارها غنائم للفاتحين. واليوم تجد «الجزيرة» من يدافع عنها باسم الدفاع عن حرية التعبير، في حين أنها لم تمارس إلا حرية التفجير، تفجير دول من الداخل وتفجير أنظمة ومجتمعات، وتفجير القنابل والعبوات والأحزمة الناسفة، ومن ينظر إلى مشاهد الخراب من الموصل إلى سرت ومن حلب إلى بنغازي ومن الرمادي إلى غزة، يدرك حجم الإجرام باسم الإعلام، كحجم الإرهاب باسم الإسلام، ويعلم أن ما فعلته منظمة «الجزيرة» الإرهابية يدخل تحت بنود الجرائم ضد البشرية، ويوضع في خانة الإبادة الجماعية، أما شرعاً فقد كانت أداة للفتنة، والفتنة أشد من القتل. إن النظام القطري أول من يضحك من كل من يدافع عن «الجزيرة» كوسيلة إعلام، فهو الذي يعرف الأكمة وما وراءها، ولكنه كذلك الأكثر دفاعاً عن تلك المنظمة الإرهابية، لأنه يعتبرها شوكته السامة التي لا يكون له بدونها موقع في جحر العقارب.
مشاركة :