"ظاهرة العنف" في المجتمعات الإسلامية

  • 7/7/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد المجتمعات الإسلامية اليوم "ظاهرة العنف" بمختلف أشكالها، فهذه جماعة "بوكو حرام" وما اقترفته من فعل شنيع بحق فتيات بريئات آمنات، وهذه "القاعدة" وما تمارسه من ترويع للناس في اليمن وفي أكثر من بلد إسلامي، وأخيراً تنظيم "داعش" وما يفعله من جرائم مروعة في العراق وسورية. هذه الجرائم الخطيرة التي باتت تهدد جميع شعوب العالم ويكتوي بنارها المسلمون وغير المسلمين، للأسف تمارس باسم الدين والإسلام، ونتيجةً لذلك حاول بعض المشايخ ورجال الدين تحسين صورة الإسلام في أنظار الناس بعد أن تشوهت صورته وألصقت به تهم الإرهاب والعنف، وقالوا: "إن الإسلام دين التسامح والوسطية والاعتدال، ويرفض ويجرم العنف والإرهاب، والجماعات المسلحة كالقاعدة وداعش وغيرها لا يمثلون الإسلام." ولكن يبدو أن المشايخ والعلماء في المجتمعات الإسلامية يعيشون منفصلين عن الواقع والتاريخ، ويغضون الطرف عما تزخر به كتب التراث الإسلامي من فتاوى فقهية وأحداث تاريخية لا إنسانية، وتفاسير موروثة لنصوص القرآن والسنة تدعو إلى القتل والعنف، التي تتمسك بها الجماعات الإرهابية في الرد على مخالفيها وخصومها. وليس هذا وحسب، بل تستغل هذه الجماعات البنية الثقافية للمجتمعات الإسلامية، التي تقوم على أساس المعرفة التقليدية والقديمة للدين، فلا تدرك مثل هذه المجتمعات معنى التسامح ولا مفاهيم من قبيل حقوق الإنسان والتعددية والحرية، وهذا الأمر يعد من منابع العنف والإرهاب، وهذا هو السر أيضاً في كسب الجماعات المسلحة المزيد من الدعم والأتباع وخاصة من جيل الشباب. فعلى سبيل المثال، عندما تقوم الجماعات المتطرفة بتحطيم التماثيل والآثار التاريخية، فهي تستند بذلك على قصة الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما قام بتحطيم الأصنام يوم فتح مكة، وكذلك إلى قصة النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم، كما يستندون أيضاً على الأحكام الفقهية التي تقول بحرمة عمل التماثيل واقتنائها، وكذلك وجوب هدمها، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن عبسة حين سأله بأي شيء أرسلك الله؟ قال: "بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئا". وكان رد بعض علماء المسلمين على الرأي السابق بالقول بكراهية تحطيم الأصنام في الوقت الحاضر بسبب أنها لا تعبد اليوم، كما أن الصحابة لم يحطموها في فتوحاتهم، وكان الرد على هذا الرأي بالقول: " ليس هناك دليل قاطع يدل على أنهم رأوها وتركوها وكما سبق الأصل فيهم الاقتداء والاتباع والاستجابة لمطلب الشريعة؛ فالظن بهم أنهم لو رأوها لما تركوها، فمن خالف هذا الأصل فهو مطالب بالدليل." ومع ذلك لا أحد من علماء المسلمين يلتفت إلى الرأي الذي يقول بأن مسألة "تحطيم الأصنام"، تعني تحطيم رموز الظلم والطغيان واستعباد الناس وأكل أموالهم بالباطل، وليس لمجرد الاعتقاد والإيمان بها كدين، فهذا التفسير قد يستنكره غالبية المشايخ ورجال الدين، مع أن سياق آيات القرآن ومدلولات الأحاديث الشريفة تدل على هذا المعنى، لذا تستمر الجماعات المتطرفة في إهانة معتقدات الآخرين باستغلال المفاهيم الخاطئة عن الدين. أما بخصوص الاعتداء على دور العبادة والمقدسات الدينية، وقتل النساء والأطفال والمدنيين، فالدافع في ذلك كما يزعم قادة ومنظري الجماعات المتطرفة هو ما يتعرض له المسلمون أو اتباع المذهب أو الطائفة من ظلم وقتل وتشريد، فيكون الانتقام والاعتداء بالمثل، وذلك استناداً إلى قول الله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، وإذا "حصلت القسمة ووقعت المرأة منهم سبياً صارت ملك يمين يطؤها الإنسان حلالاً ولا شيء فيه"!، وعلى هذا الأساس تجيز الجماعات المتطرفة لأفرادها خطف النساء والأطفال باعتبارهم سبايا وعبيدا. وفي هذا الصدد يقول أحد رجال الدين ممن يوصفون بالاعتدال والوسطية: "إذا اعتدى العدو على المدنيين من المسلمين، فإنه يجوز لنا المعاملة بالمثل وضرب المدنيين من الأعداء"، وهذا التفسير الخاطئ للآية، يخالف ما قاله علماء المسلمين الأوائل، والذين ذكروا أن المقصود هو أن "من اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم"، وذكروا أيضاً "فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، وألا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية"، كما أن الإسلام حرم قتل المدنيين من النساء والأطفال. وبالتالي فإن التسامح الذي يقول به بعض المشايخ ورجال الدين، ما هو إلا تسامح صوري، فالغالبية من المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة وحدهم، وأن الآخرين على باطل، وعليه يكون التسامح مع الآخرين من باب الاضطرار، وتكون لهم حقوق محدودة ما داموا لا يعتنقون الدين أو المذهب المتبع!، وفي الأصل فإنه من الواجب إقصاؤهم وإبعادهم وحتى قتالهم!. وبناءً على ما سبق، فإن كل مذهب أو طائفة تعتقد بأنها الفرقة الناجية، وأنها هي التي تمتلك الحقيقة وحدها، والآخرين على باطل يتبعون أهواءهم وشياطينهم رغم وضوح الحقيقة أمامهم، لذا يجب محاربتهم وقتالهم حتى يعودوا إلى الحق نصرة لدين الله !، ومن هنا يقوم الإرهاب والعنف ويستمد قوته وفعاليته، فلا كرامة ولا حقوق للإنسان، فيستهان بحياته ومن ثم قتله ودحرجة رأسه. وهذا الخطأ الكبير أدى إلى حدوث حالات التمييز ووقوع حالات الظلم والعنف والإرهاب والعدوان، وتسبب بإشعال نيران حروب دامية، والمجتمعات الإسلامية بحاجة إلى أن تعرف وتدرك المباني الحديثة لحقوق الإنسان والتعددية، وأن يكون التسامح الديني واقعياً وغير صوري يقوم على أساس الاختلاف في العقائد الدينية والمذهبية والثقافية، مع إشباع روح الإنسان بالرحمة الإلهية.. يقول الله عزّ وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

مشاركة :