قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " الحجرات : [6] الصديق الناصح الصَّالح كنز ثمين , ومكسب كبير , وإنَّ من أعظم النِّعم على الإنسان أن يوفَّق إلى جليس ناصح وصديق صادق , فمن الواجب أن يبحث الإنسان عن هذا النوع من الأصحاب وإن ظَفِر بهم ؛ فعليه أن يحافظ عليهم , وأن يعضَّ بالنواجذ على حبل المودة فلا يسمح لعوارض الدنيا بأن تقطعه , ولا يدع لفئران القطيعة فرصة لتقرضه , فإن هنالك أناساً ليس لهم هم إلا التَّفرقة بين الأصحاب ,والوشاية بين الأحباب , وزرع الضَّغائن والأحقاد بين المتحابين والمتآلفين ؛ لأن الوشاة أغراضهم عديدة , وأطماعهم دنيئة وممقوتة ورخيصة الأثمان , فاحذر كلَّ الحذر من الاستماع لأحد فيمن تحبُّ , وفيمن عرفته بثقته وأمانته وديانته , وإذا جاءك بالنصيحة مَن تثق بقوله فلا تأخذ بكلامه إلا بعد بيِّنة قاطعة , وحجة دامغة , هذا بالنسبة لمن نثق بهم .. فكيف إذن بمن لم نثق بهم , أو بمَن ليس بيننا وبينهم تعامل ولا تَصاحُب ولا تشاور ؟! ولقد حذَّرنا صلى الله عليه وسلم من أهل النميمة وأرباب الوشاية , لأنَّهم أفتك بالمجتمعات أكثر من الأمراض الخطيرة , والأوبئة المعدية ,إنَّهم سرطان خبيث وأورام مزعجة إذا حلت بأمة يصعب إيقافها , ويتطلب حينها منّا أطباء ماهرين يتمتعون بالحكمة والرَّويَّة ليجتثوا هذا المرض من أساسه , ويكفي وعيداً لأهل النميمة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لا يَدْخُلُ الجنَّة قَتَّاتٌ" رواه البخاري , والرجل القتات هو من يسمع الحديث وينقله , وهو النمَّام . إلا إذا كان هناك رجل أو رجال فيهم الصَّلاح والتُّقى يريدون نصحك ؛ فباب التناصح شئ عظيم , ودرء السُّوء مطلوب من كل مسلم مفروضٌ عليه, وإنّ من أفضل السُّبل لمنع انتشار هذه الأوبئة : الوقوف في وجوه أصحابها وعدم الاستماع لهم إذا تأكدنا أنهم من أصحاب الوشاية , وعلينا ألا نعطيهم الفرصة ليتبجحوا بغيبتهم ونميمتهم , وعلينا أن نحقق التَّعاشُر بمضمونه الصحيح , وأن نكون إخوة متوادِّين متعاطفين متراحمين كالجسد الواحد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى . إنَّ ديننا دين الألفة والمحبة والمودّة والتَّعارف والتآلف , لا دين البغضاء والشحناء والفُرْقة والعصبيات , قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " سورة الحجرات [13]. فالتعارف قوَّة تنمي المحبَّة بين سائر البشر , وقد تطرأ عوائق تمنع هذا التعارف فلا بأس من التفاهم بالحسنى , وإذا استطعنا تذويب هذه العوائق فهو مطلوب بين الأمة ؛ لأن الله قد أوجدنا في هذه الدُّنيا لتعميرها , وكل رابطة توطّد هذا التعارف وتزيح من طريقه العوائق فهي رابطة يجب تدعيمها . إنَّ الوشاة إذا ترك لهم الحبل على الغارب فإنهم يزرعون الشّقاق والبغضاء والشحناء , وهذا من أكبر العوامل في هدم الأمم وتحطيم قوتها وقدراتها , قال تعالى : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَاتَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ الأنفال : [46] . ولا تنسَ طاعة ولي الأمر ,فإذا بدر لك أمر فيه مضَّرة بمجتمعك فعليك بإخبار ولي الأمر ؛ بذلك تكون قد أبرأت الذمة وأديت الأمانة أمام الله ـ تبارك وتعالى ـ ولكني أقول لك ـ أيها القارئ ـ إن من ما ذكرته سابقاً هو عين الصَّواب لموضوع الوشاية بين الإخوة والأخلاء ؛ ولكن علينا أن ننتظر إذا كان هناك أحد يُظهر لنا صداقته ومودَّته ظاهراً وباطناً فيجب أن نتأكد من الظَّاهر والباطن , ولا بأس من أن نستشفَّ مصداقية هذا الإنسان الذي تربطنا به صداقة وأخوة, ولا بأس علينا من التحقُّق , ولا نستمع للوشاة فيمن أحببنا , بل نتحقق من مصداقية العبارات أو عدمها ؛ لا سيما بمن يأتينا بأخبار السوء , فابحث عن الحقيقة ـ يرحمك الله ـ قبل اتخاذ القرار . ولي كلمة أقولها هنا : إيَّاك أيُّها القارئ إذا منَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ عليك بأخ أو إخوة أحببتهم في الله ـ عز وجل ـ أن تترك للمرجفين والمتمصلحين سبيلاً بينكما , حافظ على مودَّتهم والصلة بهم , وأبقِ معهم حبل المودة ممدوداً فإنهم إخوتك , وتذكر قصة سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ عندما طلب من الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يشدَّ أزره بأخيه , فإذا فعلت تكن من المتبصِّرين ,واحرص على مودتهم , ومرِّر لهم زلَّتهم وخطيئتهم , وإن كانت هناك اختلافات في الفكر أو الرُّؤية فإن العاقل يجب أن يحتوي أخاه قاصر النظر والفكر والرُّؤية ,إلا إذا كان عمله عملاً غير صالح فذلك شأنه . ولنعلم أنَّ : مَن مدح وذمَّ فقد كذب مرتين ..
مشاركة :