ظنت أنها وصلت إلى أعنف وأضعف لحظاتها، ظنت أن صفعات الحياة تتوالى الواحدة بعد الأخرى من دون رأفة، أو حتى فترات راحة.. ظنت أن لحظات حزنها هي صبغة حياتها الجديدة، واستسلمت للون الأسود الملون للوحة أحلامها، ناسية أن للحياة ألواناً أخرى. وفي أحلك أوقاتها، اتصلت بمرشدها ومؤدبها، الذي طالما لجأت إليه، باثة لواعج روحها وقلبها، فلقد تعلمت الدرس جيداً ألا تلجأ إلا لمن يعينها، بعد الله، على إنارة دربها وتحدي روحها واحتواء جنوحها. لكن الأمر في هذه الحالة مختلف، فلقد ضربتها الحياة في مقتل ولقنتها درس الفراق الواحد بعد الآخر، كضربات تستهدف الجرح وتفتحه كلما اقترب من الاندمال! استمع إلى قلبها وروحها من خلال صوتها، أنصت وأنصت لشكواها موقناً ومتفهماً حجم جرح ترك بصمة على نفسها. وأراد أن يلقنها هو أيضا درساً من دروس الحياة، يعادل بقوته مصابها. تحين فرصة صمتها ورغبتها بالاستماع لنصيحته الذهبية. طال الصمت حتى قاطعته: «لمَ أنت صامت؟! لا أريد من الحياة شيئاً سوى تركي في سلام. لا أريد الاقتراب من أحد.. لن أتعلق بشيء أو بأحد.. لمَ كل ذلك الألم؟ ما زال جرحي ينزف، ووووو…». فتحت باب الشكوى من جديد، حتى قاطعها مؤدبها، مقلداً نبرة صوتها الساخطة: «أعلم وأفهم ما تشعرين به يا عزيزتي.. أعلم أن الحياة هدّتك وضربتك في مقتل، وسرقت أحلامك، وتركتك على قارعة طريق، لا تعلمين نهايته.. ضعفك لن يسمح لك بالاستمرار، فلا داعي أن تستمري! لا شيء في هذه الحياة يستحق! القِ بأحلامك بعيداً واركني، نصيحتي لك ألا تحاولي وألا تتقربي أو تسمحي لأحد بالاقتراب منك. لمَ الاقتراب وتحقيق الأحلام، ما دام الفقد والفشل متربصين بك؟! لحظات صمت طالت، قاطعتها هي مستغربة ومستنكرة، تغلف صوتها نبرة التحدي: «من قال لك إن الحياة كسرتني وألقت بي على قارعة الطريق؟! من قال لك إنني على هذه الدرجة من الضعف؟ أنا فقط أمر بلحظات من الألم وستمضي». ابتسم مؤدبها من خلف الهاتف، واسترجع نبرة الأبوة قائلاً: «كسبت جولة معك! لا تقسي على نفسك العزيزة يا ابنتي، عيشي كل لحظة من لحظات ألمك ولا تنكريها أو تقاوميها.. احتفظي بخصوصية حزنك حتى تحسني التعامل معه لتتجاوزيه أحياناً، وتتعايشي معه أحياناً أخرى. وتذكري عزيزتي أن هناك قوس قزح سيبرز من تحت الغيوم». وكالعادة، انتهت المكالمة وبقي الدرس: هناك قوس قزح تحت الغيوم. نظرت من خلال نافذتها باحثة عن قوس قزح يلون قلبها. رولا سمور rulasammur@gmail.com www.growtogether.online rulasammur@
مشاركة :