الإصلاحات الاقتصادية في مصر إيجابية لكنها تواجه تحديات

  • 7/8/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يجمع مختصون مصريون على أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لخفض العجز في الميزانية، وإصلاح منظومة الدعم التي تحمي الفقراء، كانت ضرورية لدعم الاقتصاد الذي تعرض لهزات قوية منذ انتفاضة 2011، لكنهم يرون أنها لا تكفي بمفردها لإقالة الاقتصاد من عثرته. ويبدو أن إعلان عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري عن تبرعه بنصف ممتلكاته وراتبه للدولة كان هو ساعة الصفر للحكومة لاستغلال شعبيته الواسعة لدى قطاع عريض من الشعب خاصة الفقراء، للبدء في تنفيذ عدد من إجراءات الإصلاح، لم تجرؤ حكومات عديدة سابقة على تطبيقها. فتوالت في غضون أيام قليلة سلسلة من القرارات التي رفعت هذا الأسبوع أسعار الطاقة على المواطنين والقطاع الصناعي، وزادت ضريبة المبيعات على السجائر المحلية والأجنبية، وفرضت ضريبة على أرباح البورصة والتوزيعات النقدية، ووحدت الحد الأقصى للأجور لجميع العاملين في الدولة عند 42 ألف جنيه. ورغم حالة السخط التي تجتاح الطبقة الوسطى والفقيرة من زيادات الأسعار، رحب عدد من المحللين بخطوات الحكومة لتقليص دعم الطاقة. ووفقا لـ "رويترز"، قال سيمون وليامز كبير المحللين الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في بنك إتش إس بي سي، "إنها خطوة أولى إيجابية للغاية وبيان واضح للنوايا. هذه الإجراءات يتم التحدث عنها منذ نحو عشر سنوات". وأضاف وليامز، "لن تحل الإجراءات بمفردها العجز في الميزانية، لكن من المشجع أن نرى نظاماً جديداً يضعها موضع التنفيذ في نهاية المطاف". ورغم أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن ضرورة إصلاح منظومة الدعم خاصة دعم الطاقة الذي يلتهم 20 في المائة من الموازنة العامة، فإن أياً منها لم يجرؤ على زيادة الأسعار خوفاً من رد فعل الشارع. غير أن السيسي دفع الحكومة لاتخاذ هذه القرارات برفض التصديق على موازنة الدولة للسنة المالية التي بدأت في أول تموز (يوليو) وإصراره على ضرورة خفض نسبة العجز. وعدلت الحكومة الميزانية بخفض العجز إلى 10 في المائة بدلاً من 12 في المائة بسلسلة من قرارات خفض الدعم وتعديلات ضريبية أدت إلى زيادة الأسعار. وقال نادر إبراهيم من "آرشر للاستشارات"، "الإجراءات كلها تقشفية وصائبة جداً، وكنا في حاجة لها من فترة، ولكن كان من الأفضل أن تتم تدريجياً وليس مرة واحدة. لا شك أن الإجراءات ستخفض عجز الموازنة والمصروفات وستزيد من التدفقات النقدية، لكنها في نفس الوقت ستزيد أسعار السلع والخدمات وستزيد من التضخم والبطالة". وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 في المائة على أساس سنوي وفقاً لأرقام حكومية في أيار (مايو). وتنعكس أسعار الوقود على جميع مناحي الحياة تقريبا في مصر، حيث يعيش نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وتتوقع الحكومة أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم فوق حاجز 10 في المائة. وقال السيسي الأحد "إن قرار الحكومة زيادة أسعار الوقود هو خطوة مهمة تأخرت لأكثر من 50 عاماً، وإن الهدف منه تحقيق الاستقرار والتنمية". وقال وائل زيادة رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرميس أكبر بنك استثمار في الشرق الأوسط "الإجراءات خطوة إيجابية ستضيف للاقتصاد. ما يحدث الآن هو إعادة إصلاح المنظومة التمويلية للدولة بالكامل". لكن عددا من المحللين أشار إلى ضرورة استكمال هذه الإجراءات بوضع خطط لحماية الفقراء من الآثار السلبية المحتملة لزيادات الأسعار ورسم خطة شاملة تحقق للاقتصاد الاستفادة من هذه القرارات في الأجل الطويل. وقال زيادة "لا بد من الانتباه لأن الإسراع في الإصلاح بدون غطاء لشبكة أمان اجتماعي سيتسبب في تآكل في رأس المال السياسي للحكومة. المواطن قد يشعر بالإصلاحات التي تتم الآن بين عام إلى عام ونصف". وقال فخري الفقي مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقاً، "الاقتصاد المصري سيستفيد من الإجراءات في حالة وضع الحكومة برنامجا وطنيا شاملا لإصلاح الاقتصاد خلال السنوات العشر المقبلة، بحيث يتم وضع الإجراءات اللازمة لتعافي الاقتصاد خلال أول أربع سنوات من البرنامج للوصول إلى معدل نمو بين 4-5 في المائة. وأن يكون ثاني أربع سنوات لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي بين 8-10 في المائة سنوياً وآخر عامين لتجهيز الاقتصاد للانطلاق بقوة تجاه النمو الاقتصادي". وقال هاني قدري دميان وزير المالية المصري لـ "رويترز" الأسبوع الماضي "إن بلاده تستهدف نمو اقتصادها المتداعي بين 4 و5.8 في المائة خلال السنوات الثلاث المقبلة مع إبقاء نسبة العجز عند 10 في المائة. وقال أشرف الشرقاوي رئيس الرقابة المالية الأسبق في مصر "الإجراءات جيدة جداً في حالة إعادة تخطيط الموارد للصحة والتعليم حتى يشعر الناس بطفرة في العلاج والأدوية. لازم يكون فيه أمل وتفاؤل بالمستقبل وأن تكون هناك خطة واضحة للاقتصاد". ورفعت الحكومة الإنفاق على الصحة في الموازنة الحالية بنحو 22.7 في المائة ليصل إلى 51.653 مليار جنيه. كما رفعت الإنفاق على التعليم 13.3 في المائة إلى 105.349 مليار جنيه والإنفاق على البحث العلمي 17.5 في المائة إلى 2.200 مليار جنيه. وقال نادر إبراهيم"لا بد للحكومة أن تتوسع سريعا في المشروعات الاستثمارية للحد من زيادة البطالة المتوقعة. حتى الآن الحكومة تبرر فقط الإجراءات ولم تكشف عن خطط مستقبلية لاستغلال وفورات أسعار الطاقة". وترى علياء المهدي أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة سيكون لها "تأثير إيجابي في الاقتصاد على المدى الطويل، لأن الميزانية لن تكون محملة بأعباء الدعم، ولكن على الأجل القصير سيكون له تأثير سلبي على الدخول وعلى الفقراء وعلى تحول جزء من الطبقة الوسطى القريبة من الفقيرة في مصر إلى الطبقة الفقيرة". وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو نحو خمس ميزانيتها على دعم الطاقة في السنة المالية المنتهية في 30 من حزيران (يونيو). وأكد رئيس الوزراء إبراهيم محلب السبت أن رفع أسعار المواد البترولية والكهرباء سيوفر للدولة نحو 51 مليار جنيه (7.13 مليار دولار) على أن يتم توجيه الوفورات إلى قطاعات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي. ولم يفسر محلب كيف يتقلص عجز الميزانية إذا وجهت الحكومة الوفورات إلى دعم قطاعات أخرى. ويعرب بعض الاقتصاديين عن قلقهم من ألا تمتلك الحكومة المصرية دراسات وخطة واضحة لمستقبل البلاد خلال السنوات المقبلة. وبرهنوا على ذلك بتخفيض الحكومة الموازنة الحالية بنحو 52 مليار جنيه خلال يومين، بعد رفض السيسي التوقيع على الموازنة الأولى. وستكشف الأيام ما إن كانت الحكومة ستنجح في الاستفادة من القرارات الأخيرة في تطوير الأداء الاقتصادي، أم أن هذه القرارات ستؤدي إلى تآكل الشعبية الواسعة التي يحظى بها السيسي.

مشاركة :