رغم الاشتباكات بين «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها واشنطن وفصائل من المعارضة السورية التي تدعمها أنقرة على مسافة قريبة من مدينة عفرين الكردية شمال سوريا، تبدو الحياة هادئة نسبياً في عفرين مختلفة عن تلك الموجودة في بقية المناطق السورية التي تشهد صراعاتٍ مستمرة منذ أكثر من 6 سنوات.ويقول علي عبد الرحمن (31 عاماً) وهو ناشط إعلامي يعيش في مدينة عفرين لـ«الشرق الأوسط» إن «المياه والكهرباء متوفرتان لأيام عدة في الأسبوع من خلال وسائل بديلة عن مؤسسات الدولة السورية، حيث يعتمد الأهالي على مولدات الكهرباء ونظام الأمبيرات، نتيجة عدم وصول الكهرباء الحكومية للمدينة منذ نحو 5 سنوات».ويضيف: «هناك معارك بين مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية وفصائل من درع الفرات في مناطق الشهباء قرب عفرين وتتعرض المدينة أيضاً لقصفٍ مدفعي بين الحين والآخر من جهة مدينة إعزاز ومن بعض القرى الكردية الأخرى القريبة من جبل سمعان، حيث تبدو الجبهات الأمامية لقوات سوريا الديمقراطية غير مستقرة عموماً من جهة ريف حلب الشمالي أو الغربي وكذلك من جهة ريف إدلب، تسير الحياة اليومية في شكل طبيعي بمدينة عفرين وقراها».وتتعرض مدينة عفرين بين الحين والآخر لقصف بالمدفعية الثقيلة من الجانب التركي أيضاً، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين من دون أن يكون هناك رد روسي مباشر رغم وجود قاعدة عسكريّة روسية في بلدة كفر جنة قرب عفرين. ويتبع المركز العسكري الروسي لقاعدة حميميم لمراقبة الأوضاع في المنطقة، ويتمركز هناك منذ مارس الماضي، حيث ترفرف الأعلام الروسية فوقها.وتفصل قرية الزيارة التابعة لناحية شيراوا أماكن سيطرة الأكراد عن قوات النظام السوري، وهي النقطة التي تربط عفرين ببلدتي نبل والزهراء في ريف حلب، حيث يتمكن سكان المدينة من خلال هذا المعبر الوصول لمدينة حلب، ومنها إلى مناطق سوريا أخرى وهو الطريق الذي يسلكه الطلبة الأكراد الذين ينحدرون من عفرين ويدرسون في جامعات سورية أخرى.وبحسب عبد الرحمن، تشهد المدينة غلاءً في أسعار المواد المستوردة، في حين أن الخضراوات والمنتجات المحلية، تبدو أسعارها مقبولة. أما النازحون، بعضهم يعيش في مخيمين، يضم كلاهما أكثر من 800 عائلة نازحة من مناطق ريف حلب الشمالي، في حين أن كثيراً من هؤلاء النازحين الذين يملكون سيولة مالية يعيشون في بيوت ضمن عفرين.وأشار إلى أنه يتوافر في صيدليات المدينة الأدوية الضرورية، لكنها تشهد نقصاً في الأدوية التي يتناولها مرضى السرطان، حيث يضطر هؤلاء لطلب أدويتهم من دمشق، ما يكلفهم عبئاً مادياً إضافياً. وطالب عبد الرحمن بتقديم المساعدات الضرورية للنازحين السوريين في المدينة. وقال: «رغم كل مساعدات المنظمات والجمعيات الإنسانية لهؤلاء النازحين، فإنهم ما زالوا بحاجة للدعم المستمر، خصوصاً في المجالات الطبية والإغاثية ورعاية الأطفال».ولم تمنع هذه الظروف من افتتاح جامعة عفرين رغم أنها لم تحصل على أي اعتراف دولي أو محلي. ويدرس الطلبة في مختلف كلياتها كالأدب الكردي والطب والبشري والاقتصاد وغيرها، إضافة إلى مواصلة بعض شباب هذه المدينة لدراستهم في المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث تقدموا لامتحاناتهم العامة بمدينة حلب، إلى جانب مواصلة بعض الطلبة الجامعيين لدراستهم بجامعة حلب أيضاً. لكن تبدو نسبة الإناث أكبر من الشباب في تلك المرحلة نتيجة قرار التجنيد الإلزامي الذي تعمل عليه سلطات الإدارة الذاتية الكردية والذي يرغم الشباب على تأدية الخدمة العسكرية لمدة 9 أشهر، والذي أدى بدوره لهجرة الكثير منهم هرباً من القتال العسكري.وفي هذا السياق، تؤكد همرين حبش (22 عاماً)، وهي طالبة في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة حلب أن «الطريق إلى حلب كان ولا يزال خطراً، وكان مصيرنا مرتبطاً بمزاجية الفصائل العسكرية التي تقاتل فيما بينها. لمراتٍ كثيرة، كان ذلك يتسبب بغيابنا عن حضور امتحاناتنا الجامعية نتيجة تصرفاتهم، لقد كنا نضطر لارتداء الزي الشرعي لأننا من مدينة مُلحدة كما يصفونها». وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «الشباب الآن في عفرين، بعضهم حصل على إعفاءات مصدقة لتأجيل الخدمة الإلزامية نتيجة دراستهم في حلب أو في جامعة عفرين، بينما من لم يتمكن من مواصلة دراسته، فقد قرر أن يهاجر وفعل ذلك».وقال نشطاء معارضون لـ«الاتحاد الديمقراطي الكردي» إن سلطات الإدارة الذاتية الكردية التي تعد بمثابة الجهة الوحيدة التي تسيطر على المدينة اعتقلت بعض الناشطين السياسيين من دون أن تقوم بالإعلان عن أسباب الاعتقال، إضافة لاعتقال بعض الشبان الفارين من «واجب الدفاع الذاتي» لمن تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 30 عاماً وفقاً لقرار صدر في وقت سابق من قبل تلك السلطات.ويستخدم أهالي المدينة شبكات الاتصالات السورية النقالة، لكنهم يعتمدون بشكل أساسي على الأجهزة اللاسلكية التركية للحصول على خدمة الإنترنت الفضائي، في الوقت الذي انقطعت فيه خدمة الهواتف الثابتة السورية عن المدينة منذ 4 سنوات.وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من سكان المدينة، هاجروا نحو أوروبا ودول الجوار السوري، بهدف تأمين مستقبلٍ أفضل لهم ولأطفالهم نتيجة الصراع الذي تشهده سوريا. لكن رغم هذا كله، تبدو عفرين اليوم الأكثر أماناً مقارنة بغيرها من المدن السورية.وعفرين الإقليم الثالث في الإدارات الذاتية الكردية التي أعلنت قبل سنوات، مع إقليمي الجزيرة وعين العرب (كوباني) شرق نهر الفرات.
مشاركة :