إن ما يقلق الشعوب اليوم في حياتهم الاجتماعية هو ذلك الصراع الطبقي؛ الذي بات يهدد الجميع بالفناء الثقافي، وما أقصده ليس على الصعيد المادي أو الثراء، وإنما أشدد على ذلك الصراع الطبقي الفكري بأشكاله الدينية والطائفية وكذلك العِرقية؛ حيث إن البشر مقسّمون إلى عدة فئات من النضج والتفكير؛ فكل واحد منا لديه من الثقافة والمعرفة ما يكفيه، وبعضهم الآخر لا تكفيه كلمة مثقف بل فوق تلك القدرات، إما يود أن يكون فيلسوفاً أو مفكراً وإلخ من تصنيفات، وهذا في حالة الرشد والنضوج والوعي. ولكن في شخصية المجاهد تختلف تماماً! ليس مختلفاً إنسانياً ولكنه مختلف في ديناميكية الحركة والشخصية، وهو أكثر عرضةً بالتأثير السيكولوجي في بناء الهوية الذاتية؛ وهو يعيش حالة انفصام وازدواجية في آنٍ واحد. شخصية المجاهد معقدة التركيب؛ فهو يحاول تفريغ طاقته بأي شكل من الأشكال وهذه الميزة كلنا نشترك فيها، أي جميع البشر ذوي العقول الطبيعية. وبطبيعة الأمر نجد ذلك دائماً في حالة الفوضى الجماهيرية أو الفوضى الثقافية إن صح التفكير؛ حيث تندد الجماهير بما يملي عليها ملهموها من ساسة أو رجال دين أو مفكرين، والكلمة الأخيرة قليلة الحظ في قيادة الجماهير؛ لأن المفكر قلة من يفهموه ويستوعبوه من مجتمعه؛ حيث وجدنا ذلك في الفاشية والنازية والقومية التي استوعبها جمهورها، وذلك بفعل التكرار وتبسيط الأيديولوجية المراد بها التحكم بتلك الشعوب، ولا نخفض عن الماركسية بتياراتها التي استوعبت أعداداً غفيرةً من الشعوب بكل طوائفها وأديانها وحتى أعراقها المختلفة، واليوم تعد الليبرالية الاستيعاب الفضائي الشامل لكل الشعوب الأممية شاملةً لكل الفئات الطبقية، التي أفشلت نظرية العولمة؛ حيث إن الاختلاف الثقافي يستوجب عليه التغير من بلد إلى بلد آخر، والتبادل الثقافي لا يكتمل إلا بالحوار والمعرفة وتقبل جميع الأفكار؛ وهذا ما لم تستوعبه الجماعات المتطرفة الشاذة عن مضمار التقدم الاجتماعي التي تحارب باسم الدين والدين منها براء، والسبب أنها لم تصل لدرجة الاستيعاب الكامل ولم يكن لها مبدأ أساسي لفهم الثقافة الإنسانية، وعلى هذا رفضت الشعوب استيعابها أو تقبل آرائها؛ لأنها منذ البدء تتحرك من منطلق نصوص مشبوهة أو تنبؤات مكذوبة من حيث خروج جيش من الشام في آخر الزمان يقيم دولة الإسلام؛ وهذا ما نلاحظه اليوم بما تسمّى (داعش) التي الآن تدق أسوار بغداد بسبب غباء سياسة المالكي المتحيزة لصفوف نظام إيران والتعصب المذهبي، فالتعصب في كل أحواله لا يجني ثمرة، فلم تَجنح جيوش هتلر للنصر وتاهت في أغوار الفشل والهزيمة. وبطبيعة الحال فالإنسان يعيش حالة صراع داخلي منذ نعومة أظفاره، وهو يتساءل عن مجريات المستقبل بشكل عام، وأين مكانته في هذا المضمار الاجتماعي؟ وهذا الصراع فيه من الخير وفيه من الشر، وعلى البيئة المحيطة من حوله من معلم أو أب أو أم وإلخ؛ أن توظف هذا الصراع أو هذه الطاقة إلى إيجابية العمل الثقافي فيما يخدم وطنيته وعقيدته الصالحة، والوطنية هنا جامعة لكل فئات الشعب بلا تفضيل أحدٍ عن أحد.
مشاركة :