تساءل بنك قطر الوطني في تحليله الاقتصادي الأسبوعي، عما إذا كان انخفاض التضخم العالمي سيكون ظاهرة مؤقته، أم أن العوامل المحفزة للتضخم ستصبح أكثر قوة وذاتية الاستدامة بشكل متزايد. وأوضح التحليل الأسبوعي الصادر اليوم عن البنك أنه على الرغم من تحسن أسواق العمل والنمو القوي وهو الأمر الذي يشير بدوره إلى تنامي الضغوط التضخمية، إلا أن التضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة ظل منخفضا، وقد دفع هذا التناقض الواضح بعض المراقبين إلى القول بأن هناك بعض الضعف في سوق العمل لم يتم تضمينه بشكل كامل في الإحصاءات والقياسات الرئيسية، وأن التضخم لا يرجح له أن يعود إلى المعدل المستهدف دون وجود حافز إضافي، كما أن البنوك المركزية، برغم احتراسها، إلا أنها نظرت إلى حد كبير لفترة التضخم الضعيف الحالية على أنها ظاهرة عابرة، وحافظت على ميلها للتّشدّد. وأشار تحليل البنك إلى أنه بموجب ما سبق، فالتقدم الذي تحقق في سوق العمل يشير إلى تنامي الضغوط التضخمية، غير أن ذلك يجري بمعدل أبطأ مما قد يرغب فيه صانعو السياسات. وتطرق التحليل إلى اعتقاد البنوك المركزية بأن انخفاض التضخم هو ظاهرة مؤقتة إلى حد كبير، لثلاثة أسباب رئيسية، أشار السبب الأول منها إلى أن التحسن في أسواق العمل في الاقتصادات المتقدمة كان كبيرا للغاية، حيث تحقق توظيف كامل في كل من الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة، بينما تمضي منطقة اليورو بخطى سريعة في نفس الاتجاه، وكذلك تتزايد ندرة العمالة، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة القدرة على المساومة لزيادة الأجور، وهو ما يترجم تدريجيا إلى زيادة في معدل التضخم.. وقد لوحظ ذلك جزئيا في الولايات المتحدة، حيث ظل متوسط نمو الأجور أعلى من 5ر2% على نحو منتظم منذ أكثر من عام. فيما أشار السبب الثاني إلى أن السياسة النقدية تظل مواتية بشكل كبير، ورغم بعض التشديد في الولايات المتحدة، فإن أسعار الفائدة لاتزال قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية، كما أن عملية إزالة الدعم تجري بشكل تدريجي فقط، ما يعني أن هناك مجالا لتحقيق مزيد من المكاسب في سوق العمل. وتمحور السبب الثالث حول الولايات المتحدة بالتحديد، حيث لفت إلى أن الموجة الحالية لانخفاض التضخم تعكس بشكل كبير تأثير عوامل تطرأ لمرة واحدة، فقد أدت التغييرات في منهجية حساب مكونات قياس التضخم، إلى جانب إدخال ضوابط جديدة إلى خفض وزن التضخم الأساسي بشكل مصطنع. وأشار التقرير إلى أن المخاوف بشأن انخفاض التضخم تتعلق بشكل عام باحتمال استمرار تدني نمو الأجور، مشيرا في هذا الصدد إلى حدوث ذلك بشكل رئيسي خارج الولايات المتحدة - رغم حدوث ركود في الأجور حتى في الولايات المتحدة منذ مطلع هذا العام- ومن المعتقد أن يكون السبب وراء هذا الاتجاه هو التدهور الجاري في جودة الوظائف، كما أن معظم المكاسب في سوق العمل كانت مدفوعة جزئياً بالتوظيف بدوام مؤقت في الاقتصادات المتقدمة منذ الأزمة المالية، وتتسم هذه الوظائف بانخفاض الأجور وبكونها غير اختيارية إلى حد كبير، مما يولد حالة من البطالة المقنعة ويقوض نوايا الإنفاق، وبالتالي يقود إلى انخفاض التضخم في نهاية الأمر. وبالإضافة إلى ذلك، قد تكون العلاقة بين انخفاض معدلات البطالة والتضخم نفسها قد تغيرت في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وربما يكون عدم يقين الشركات بشأن الانتعاش الاقتصادي قد دفعها لامتصاص جزء من الارتفاع في تكاليف المدخلات بدلاً من تمريره إلى المستهلكين.. وأيضاً، عانى بعض العمال الذين عادوا إلى سوق العمل من فترات طويلة من البطالة مما أدى إلى تدهور مهاراتهم، ولذا يُتوقع أن تكون قدرة هؤلاء العمال على المساومة منخفضة وأنهم قد يفضلون الأمن الوظيفي على الأجور المرتفعة. واختتم التحليل الصادر عن بنك قطر الوطني بالإشارة إلى أن مكاسب سوق العمل كانت كبيرة للغاية ومتواصلة بصورة يصعب تجاهلها، وفي حين لا تزال وظائف الدوام الجزئي غير الاختيارية عند معدلات عالية، ورغم احتمال تغير استجابة الأسعار لتدني البطالة بعد الأزمة المالية، فإنه من المرجح أن تعمل هذه التطورات على إبطاء تحول الارتفاع في الطلب إلى زيادة في التضخم وليس الحيلولة دون حدوثه بالكامل.. ومع اكتساب الانتعاش الاقتصادي لمزيد من الزخم، وفقاً لآخر البيانات المتعلقة بالنشاط في الاقتصادات المتقدمة، فمن المتوقع أن تصبح العوامل المحفزة للتضخم أكثر قوة وذاتية الاستدامة بشكل متزايد.;
مشاركة :