ثمة مفاهيم خاطئة ناتجة عن فهم مشوه لما يعنيه مصطلح الحريّة، ما أنتج حالة من الفوضى والعبث في تصنيف الآخر والتحريض عليه وتخوينه بحجة حرية التعبير، رغم أن الحرية في أبسط صوره تعني أن تفعل ما لا يضير غيرك، وتعي بأن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. هناك أخلاق وقيم عامّة تجعل من أي سلوك حر منضبطًا ومندمجًا في سياقه الاجتماعي والثقافي وغير ناشز عنهما. ولا شك في أن التحريض على العنف أو سلب الآخر حقوقه الإنسانية المشروعة ليست من الحرية في شيء، إنما هي نوع من التحايل والتفاف على روح الحرية، واستغلال لقيمها السامي بما يشوهها ويجعلها مجرد فوضى منافية لمبادئها وتعاليمها. عدد من الوسائل الإعلامية وبعض الإعلاميين وثلة من مثقفين ووعاظ وقعوا في براثن ذلك الخلط المريع بين العبثية والحريّة. راحوا يمارسون نوعًا من الدعوة إلى الانقسام المجتمعي والتحريض على التناحر وبعث الكراهية من مرقدها، وإحياء لرذيلة التكفير والتفسيق تحت ذريعة حرية التعبير دون أن يقيموا وزنًا لأخلاقيات مهنهم. بعضهم يستشهد بأقوال تحررية تقدميّة وآخرون يتحدثون باسم الدين والتدين، في مشهد مأساوي غير متحضر يدفع المجتمع بقوة إلى عصور التخلف والانحطاط، ويسهم في تمزيق أي كيان وطني متحد. الحرية في جوهرها تعصمك من رغبة استعباد الآخر، وإن لم تفعل ذلك فهي حرية زائفة، وفوضى فكرية تكشف عن عقلية مأزومة لم تدرك من مفهوم التحرر سوى القشور. الإنسان الحر يؤمن بحق غيره في الاختلاف عنه، ويعي بأنه ليس وصيًا على أحد من الخلق. يعرض بضاعته الفكرية دون أن يفرضها بالعنف والتحريض. أن تحرض على الآخر يعني أنك تمنحه الحق في التحريض عليك كردة فعل طبيعية. معادلة بديهية من شأنها أن تدخل المجتمعات في حالة عداء مستمر بين أطياف فكرية متعددة. لذا فإن الاتجاه إلى فهم أعمق للحرية من شأنه أن يؤسس لمرحلة اختلاف إيجابية وبناءة. المجتمعات بحاجة إلى الاختلاف الواعي، والاتفاق على أن لكل فرد في المجتمع حقه في تشكيل منظومته الفكرية غير المتعارضة مع المصالح الوطنية الكبرى. ولو أن الجميع حمل ذات الرؤى والمواقف لفسد المجتمع؛ لأن التنوع سنة كونية وبه تتقدم المجتمعات، ومن منظوره انبثقت الحرية غير المعوجّة.
مشاركة :