مقايضة مصرية روسية :محمد أبو الفضل

  • 7/31/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مقايضة مصرية روسية محمد أبو الفضل العلاقات بين القاهرة وموسكو اتسمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بالصعود والهبوط، تارة تجدها في أوج الازدهار وتحسب أن تفاهما كبيرا حدث في القضايا الحيوية، وأخرى تراها هدأت إلى حد الفتور وتعتقد أن شيئا ما يعتري مسيرتها. الحاصل أن العلاقات بين الدول عموما لم تعد تخضع لمسلمات صفرية، فلا هي إيجابية على طول الخط أو سلبية على الدوام، والسيولة التي تتسم بها قضايا كثيرة أوقفت فكرة الاستقرار أو التوتر التام في العلاقات. حالة مصر وروسيا نموذج واضح لهذا النمط من التفاعلات. كل منهما لديه طموح في إعادة تصويب علاقاته الخارجية والتمدد الإقليمي، أملا في استعادة قدر من النفوذ والتأثير في الصراعات العسكرية والتسويات السياسية، بما يُعظم المصالح الاستراتيجية التي يسعى إليها كل طرف. الاختلاف في التوجهات والتصورات والأساليب والأدوات ربما يكون جليا في طريقة التعامل مع كل قضية، وتتفاوت تقديرات كل دولة حسب الأولويات، فروسيا مثلا تحركت بصورة تدريجية بما يتناسب مع التحديات التي تواجهها في الداخل والخارج، وانتهزت الكثير من الفرص لتأكيد دورها كقوة رئيسية على المسرح الدولي. اندلاع الأزمة في أوكرانيا، ثم اشتعال الأزمة في سوريا والخمول الذي بدت عليه السياسة الخارجية الأميركية خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كانت في مقدمة المؤشرات التي أوحت بأن موسكو في سبيلها لترسيخ أقدامها على الصعيدين الإقليمي الدولي. قيام ثورة 30 يونيو 2013 في مصر وسقوط حكم الإخوان، ثم النجاح في تطبيع العلاقات مع دول في الشرق والغرب، كانت من أهم المعالم التي شجعت القاهرة على السعي لاستعادة جزء من العافية الإقليمية، وتدريجيا بدأت تتطلع إلى المزيد من التفاعل مع القضايا الساخنة دون أن تتورط في خصومة مباشرة مع قوى متعددة، باستثناء قطر وحلفائها من التنظيمات الإرهابية، لأن تدخلاتهم استهدفت المساس بالأمن القومي المصري. أوجه الشبه بين موسكو والقاهرة متعددة، بما قرب المسافات بين الجانبين، في العلاقات الثنائية والموقف من ملفات أمنية وسياسية كثيرة، وتعميق التعاون بشكل كبير، لكنه ظل رهينة لطبيعة الروابط بين مصر والولايات المتحدة، التي لم ترد الأولى خسارتها، بينما تطلعت موسكو إلى استمالة القاهرة تماما. الطموح الروسي والتوجس المصري، حالا دون تطوير العلاقات وتوسيع أفق التنسيق بين الدولتين، وظلت الروابط في المنطقة الدافئة، لم تبلغ درجة البرودة الشديدة ولم تصل إلى مستوى السخونة، ولم تخل أيضا من تفاهمات متناثرة. التردد الذي بدا في الكثير من التصرفات المصرية عند بعض المحكات الرئيسية، جعل موسكو تتريث في تعاملها مع القاهرة، وكانت اللحظة الفاصلة سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء في نهاية أكتوبر 2015، وراح ضحيتها نحو 240 من مواطني روسيا، بعدها أوقفت موسكو حركة الطيران والسياحة إلى مصر، وحققت هدف من وقفوا خلف سقوط هذه الطائرة. القاهرة ارتابت من البداية في الحادث، وتيقنت أن غرضه ضرب علاقاتها بموسكو، التي استثمرته سياسيا للضغط على مصر، وتعاملت معه في الظاهر بمهنية حرصا على أرواح مواطنيها، وفي الباطن بانتهازية لضمان ولاء مصر نهائيا في بعض القضايا الإقليمية، بما هو أبعد من التفاهمات المشتركة في ملفي مكافحة الإرهاب وصفقات السلاح. الموقف الروسي لم يتجاوز حاجز عدم الاستجابة لمطلب عودة السياحة والطيران لمصر، والتلكؤ لدعمها في ملف محطة الضبعة النووية على البحر المتوسط، وتزويدها بصفقات سلاح نوعية واستيراد منتجات زراعية، وكلها رسائل جرى فهمها من قبل القاهرة على أنها مناورات للمزيد من الضغط لتحسم مصر خيارها تجاه روسيا. الحاصل أن موسكو تحمل مرارات تاريخية منذ أن كانت حليفا استراتيجيا للقاهرة في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وبعد نحو عامين من وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر (توفي في سبتمبر 1970) اتخذ خلفه الرئيس الراحل أنور السادات قرارا بطرد الخبراء الروس الذين أشرفوا على تدريب الجيش المصري عقب هزيمته في حرب يونيو 1967. هذا الموقف لم ينسه الكثير من الساسة في موسكو، لأنه كان بمثابة تحول استراتيجي لا يزال أثره باقيا حتى اليوم، وبموجبه فقدت مصر مركزيتها في السياسة الروسية (السوفياتية سابقا) وبدأت تدور في فلك الولايات المتحدة. عندما لاحت فرصة أمام موسكو لاستعادة القاهرة مرة أخرى خلال الأعوام الماضية، لم تتفاعل الأخيرة بالطريقة الكافية، وظهر أن تقاربها مع موسكو مرهون بحجم ومدى التوتر مع واشنطن، الأمر الذي أيقنته روسيا، لذلك لم تمنح مصر شيئا إلا بالمقدار الذي تريده (موسكو)، لتتجنب تكرار السيناريو السابق، وألا تكون قناة تعبر عليها القاهرة إلى قلب وعقل واشنطن. القيادة الروسية لم تع جيدا درجة التغير في الحسابات المصرية، والفرق الجوهري بين الأمس واليوم، في الماضي كانت العلاقات أشد وضوحا ولا تحتمل سوى “مع أو ضد” وحتى حركة عدم الانحياز التي أعلن عنها منتصف الخمسينات في باندونج بزعامة مصر والهند وإندونيسيا وغيرها، كانت الكثير من تصوراتها وسياساتها منحازة. أما حاليا، فالتشابكات التي تبدو عليها معظم الأزمات أفقدت دولة مثل مصر رفاهية المواقف الحاسمة، فهي قريبة من موسكو وليست بعيدة عن واشنطن، وهكذا تدور علاقاتها مع غالبية دول العالم. الاستقرار الداخلي والتطور الملحوظ في علاقات مصر الخارجية، خاصة مع كل من السعودية والإمارات، وفرا مساحة أكبر للحركة على الصعيد الإقليمي، وساهما في أن تمد القاهرة بصرها إلى أبعد من المفهوم التقليدي للأمن القومي المباشر، وبدأت تتحرك في الأزمة الليبية بكثافة، وترفع من مستوى اهتمامها بالعراق، ولا تستبعد الانخراط أكثر في الأزمة السورية. روسيا ترى في مصر لاعبا مهما في سوريا، كان يظهر ويختفي من وقت إلى آخر، لكنه يحتفظ بعلاقات جيدة مع نظام بشار الأسد وقوى مؤثرة في المعارضة ومع وحدة الدولة السورية والتسوية السياسية، ولديه تحالف مع السعودية والإمارات وتفاهم مع واشنطن، وليس في خصومة ثأرية مع إيران. المعطيات السابقة كانت كفيلة لتوحي موسكو للصديقة القاهرة بأن عودة السياحة والطيران الروسي يمكن أن تكون قريبة، إذا استجابت مصر لدخول الفناء السوري من الباب الروسي، وهي الصفقة التي من المرجح أن تتكشف معالمها لاحقا، فزيارة الوفد الأمني الروسي للقاهرة قبل أيام، وإشادته بالتدابير الأمنية في مطار القاهرة تنطويان على أن قرارا على وشك أن يتخذ. ولعل قيام موسكو بتوفير الغطاء اللازم للوساطة المصرية في هدنة الغوطة الشرقية مؤخرا، إشارة على نجاح موسكو في جذب القاهرة إلى ما تريده في سوريا، لأنها تعتقد أن مصر أحد عناصر التوازن المهمة لتحقيق أهداف موسكو بسلاسة في سوريا، والحد من نفوذ إيران، وعدم استفار جهات مختلفة. كاتب مصري سراب/12

مشاركة :