صديقتي التي بعينها أرى

  • 7/31/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من الجيد أن يكون لك صديق أو صديقة تهرب إليه من ضجيج هذا العالم من وقت لآخر. أهرب عادة مع صديقتي، وأقضي أوقاتاً طويلة نتأمل الكون من إحدى الزوايا.. نكتشف أماكن جديدة، نسافر أحياناً، ونتعرف على البشر أحياناً أخرى. عن صديقتي التي تُريني وأريها، أحملها وتحملني.. عن الكاميرا أتحدث. تعود بدايات القصة إلى زمن المجلات المطبوعة، أيامها كنت أقضي كثيراً من الوقت في تأمل المحتوى البصري للمجلات، لا سيما الصور التي بالأبيض والأسود. بعد تخرجي في الجامعة وبداية عملي في مجال التصميم وتحسن خدمة الإنترنت نسبياً كانت متابعة أعمال المصورين على الإنترنت جزءاً من الروتين اليومي، حتى ذلك الحين لم أكن أمتلك كاميرا.. لم أكن أمتلك قيمتها في بادئ الأمر. شيء ما كان يشدني إلى الصورة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالبشر، لم أكن أستطيع تعريفه وقتها.. كانت علاقتي مع الصورة مثل قارئ الشعر النهم الذي لا يكتب أي سطر. قبل ثلاثة عشر عاماً اشتريت أول كاميرا، وهنا كانت رحلة جديدة.. كانت أيضاً رحلة استكشاف للذات، مع مرور السنوات بدأت أكتشف شيئاً فشيئاً بعض الإجابات حول جاذبية الصورة بالنسبة لي.. لم يكن فقط الجمال أو قوة المشاهد أو اللحظات التي أسرتها الصورة، كان شيئاً آخر.. الحكايات.. حكايات الصور. "التصوير هو الحكايات التي فشلت في وضعها في كلمات". دستن سباركس في صغري كان يقال إنني لا أتحدث كثيراً.. لكني أجيد الإنصات (ما عدا في حصص المدرسة طبعاً). الحقيقة أنني أحب الحكايات.. أعشقها.. ربما هو ذلك الطفل الصغير بداخلي.. ربما هو الفضولي المشتاق للمعرفة.. ربما كلاهما معاً! قلت ذات مرة في إحدى الفعاليات إنه "لو لم أكن بصرياً لتمنيت أن أكون كاتباً".. تشدني بقوة قوة النصوص، لكني لا أستطيع دائماً صياغة الكثير مما أريد قوله. في التصوير أستطيع تعويض ذلك بشكل ما. حكايات الصور أخاذة.. قد تأسرك للأبد.. سواء تلك المتعلقة بالإنسان أو بالمكان. لكل إنسان حكايته الخاصة التي يحكيها من خلال ملامحه، تقاطيعه، تعابيره وملبسه، فضلاً عن مساحاته الخاصة كالبيوت وأماكن عمله. كذلك الشوارع والمدن، الوجه الآخر لحياة الإنسان.. لكل شارع حكايات.. لكل ميدان وزقاق، الناس الذين مروا من هنا، النوافذ المكسورة التي هناك، الجدران المشققة والأبواب العتيقة. يا ترى كم من الحكايات مرت من عتبة الباب تلك؟ هل عاد الذين مروا من هنا أم رحلوا للأبد؟ كم هي العيون التي نظرت من خلف ذلك الزجاج.. كم هي الحكايات التي اختبأت خلف تلك الستائر؟ وكم هي التي جلست على طاولة خشبية في مقهى قديم مليء بالرطوبة؟ ما يميز حكايات الصور أنها لا تقول كل شيء، تحكي الأمر من زاوية واحدة فقط، أحياناً يقوم المصور بإكمال الحكاية بصور أخرى، وأحياناً بالنصوص وفي بعض المرات يترك تخيل بقية الحكاية للمشاهد. تصوير الوجوه - عمق آخر للحكايات وجوه البشر، تلك المساحة الصغيرة التي تقول الكثير جداً.. في تعابير وجوه الناس قصص مركبة.. أيامهم التي مروا بها.. ضحكاتهم ولحظات الفرح.. لحظات الحزن والشرود.. تعبيراتهم التلقائية.. نظراتهم عندما يشعرون بالخجل أمام الكاميرا - يا الله كم تشدني هذه اللحظة - ذلك الخجول البسيط داخل كل إنسان. "لا أبدو جيداً في الصور.. أعرف ذلك تماماً.. لا تحاول" كثيراً ما تكون هذه جملة البداية وقت التقاط صورة. أحببت سماعها مع الزمن، أرى فيها دعوة تحدّ غالباً. قد يستغرق الأمر العديد من المحاولات للوصول إلى نتائج مُرضية.. لكل وجه (بلا استثناء) زاوية أفضل من غيرها.. وكل زاوية تحكي قصة مختلفة لذات الشخص.. هكذا أؤمن. يبدو تصوير الوجوه سهلاً، خصوصاً مع انتشار التقنية.. إلا أنه ليس كذلك، ليس من السهل أن تنتزع صورة خاصة لوجه ما، صورة يظل جمالها خالداً مهما مرت الأيام، يتطلب الأمر مهارة وقدراً كبيراً من الإحساس. دفاتر ذكريات كل إنسان دفتر حكايات مستقل.. يطلب البعض مني التقاط صور لحكاياته أو جزء منها فقط.. بعضهم لا يريد نشر الصور أبداً. يريد الصور لنفسه فقط، البعض يريد مشاركتها مع أشخاص بعينهم، والبعض الآخر يريد فقط أن يرى وقع حكايته أمام عين واحدة فقط.. عين صديقتي. فيما مضى كنت أتساءل عندما أتلقى طلبات تصوير من بعض الذين لن تُنشر صورهم، ما جدوى صورة لن ترى النور؟ لاحقاً تعرفت على الكثير من القصائد التي لم تر النور إلا صدفة أو بعد زمن طويل من كتابتها.. وكذا حال بعض القصص وكثير من الأعمال الفنية. ما أدركته مع الزمن هو أن لكل لعمل فني لحظة جمال أثناء الأداء أو التنفيذ بغض النظر عن النتيجة النهائية وبغض النظر عن نشر العمل من عدمه. مؤخراً صارت جلسة التصوير بالنسبة لي أقرب لطقس روحي.. حالة من الروحانية والهدوء والكثير الكثير من الحوارات الملهمة. شكراً صديقتي.. بعينك رأيت الكثير وتعرفت على الكثيرين. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :