تحل علينا ذكرى الغزو العراقي، تلك الأيام التي عشناها بحلاوتها ومرارتها، كنا في وقتها متكاتفين متعاونين، في كل شيء، لم نهتم وقتها بالطائفة والعائلة والقبيلة. كنت في تلك الأيام لم اتجاوز العشرين عاماً سوى بأشهر قليلة، وكانت ظروفي صعبة، فقد غادر أهلي البلاد وبقيت مع أصدقائي في محطة الزور أغلب الأيام والشهور، حتى أننا كنا تقريباً 17 كويتياً وما يقارب 20 وافداً عربياً واجنبياً... كنا كما الأهل ومصيرنا واحد وكدنا أن نفقد أرواحنا عندما أبلغنا أحد الضباط الأميركيين بعد تحرير الكويت، أن مهمته في حرب تحرير الكويت تتمثل في مراقبة محطة الزور الجنوبية، والتي امتلأت بالجنود العراقيين، وقد كتب تقريراً لقيادته بقصف المحطة، ولكن الله لطف، فقد شاهد بعض السيارات الخاصة ذات اللون الأبيض داخل المحطة فانتظر قليلاً حتى تأكد أن هناك مدنيين وأوقف ذلك التقرير. كنت في أول أيام الغزو العراقي، وهذه الواقعة أكتبها للتاريخ وللجيل الحالي، كي يعرف أنه يعيش في نعمة كبيرة وفي أمن وآمان، كنت قد ذهبت الى بيت عمي وكان لا بد أن استقل الطريق السريع، فشاهدت منظراً لم ولن آراه مجدداً في حياتي، فقد أغلق الطريق من العاصمة الى الأحمدي، وأصبح من الأحمدي للعاصمة ذهاباً وإياباً، تعمه الفوضى والقمامة تملأ المكان ولا تنظيم ولا أمن. وفي موقف آخر ذهبت مع أحد الأصدقاء الى سوق بيان، وهو سوق موقت في منطقة بيان في الغزو، وقال لنا البائع الفلسطيني وبجانبه الجنود العراقيين أن الدينار الكويتي لا يساوي شيئاً. كانت أيام فوضى وظلم وقتل وتشريد، فقد أسر وقتل بعض أصدقاء الدراسة، وضرب وأُعتقل الكثير من الكويتيين، وغُيرت أسماء المناطق والشوارع ولوحات السيارات، وقاوم أهل الكويت القوات العراقية واستشهد الكثير من الكويتيين دفاعاً عن وطنهم، ولعل بيت القرين شاهد على تلاحم وترابط أهل الكويت. أدرك بأنها ذكريات لا يمكن نسيانها ولا تكفيها سطور المقال، وقد سردت بعضاً منها كي أربط أحداث الغزو بتكاتف الكويتيين مع ما يحدث في هذه الأيام التي أصبحت لا تشبهنا أبداً، فقد تفرقنا ومزقنا الإعلام الفاسد وسياسيون أفسد، فأصبحنا نبحث في اصل وفصل وطائفة وقبيلة ونتبادل الاتهامات ونشكك ببعضنا، وهذا ما يريده بعض السياسيين الذين يعيشون على ذلك من أجل مصلحتهم الشخصية وجلوسهم على الكرسي الأخضر. وهذ ما حصل في تداعيات «خلية العبدلي»، التي هرب أعضاؤها بعد الحكم عليهم، ولكنهم سينالون عقابهم قريباً. فمن الطبيعي أن يلتف أهل الكويت جميعاً ويدينون هذه الخلية كما حصل مع إرهابيي مسجد الصادق، ولكن صمت الطائفيون عند آوان الكلام، ولم ينطق اي أحد منهم، فهل من يضمر الشر بالكويت لا يحرك شعره في جسد عُباد الكراسي؟ ولعل كلمات سمو أميرنا الغالي الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، تتجسد في هذه اللحظات عندما قال «لا يضحكون عليكم هذا شيعي وهذا سني، الكويت للجميع ونحن فداء للكويت وولاؤنا لها»... أتمنى أن ينتبه أهلنا الشيعة الذين أعرف منهم الكثير وأدرك جيداً مدى ثقافتهم وعلمهم واخلاصهم للوطن، لمثل هؤلاء السياسيين والإعلاميين الذين يعتقد البعض أنهم عون ولكنهم في الحقيقة فرعون، وهذا الكلام لأخواننا السنة كذلك، لأن العديد من السياسيين لا يهمهم أن يحترق البلد، المهم مصلحتهم الشخصية... @mesferalnais
مشاركة :