لم يجد المواطن الفلسطيني نضال زريد (47 عاماً) طريقة للتخفيف عن أطفاله الصغار، سوى خلع ملابسهم باستثناء قطعة واحدة، وطلب منهم النوم على البلاط بعد أن رشه بالقليل من الماء، للتخفيف من ارتفاع حرارة الجو في غزة، مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي. فالأطفال الصغار لم يستطيعوا تحمل ارتفاع حرارة الجو في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي، وباتت أجسادهم مليئة بالحبوب الحمراء الصغيرة، وفي كل ليلة يستمرون في البكاء والأنين حتى وقت متأخر. وبدا نضال متذمراً لما آل إليه وضع أطفاله وبدأ بالدعاء على كل من تسبب في الأزمة، مؤكداً انه لا يمتلك المال كغيره لشراء هوايات تعمل على البطاريات أو أية وسيلة أخرى يمكن أن تخفف عن أطفاله، كما أن منزله الصغير المسقوف بألواح الصفيح يبدو قطعة من جهنم خلال فصل الصيف. وانتشر في غزة جميع البدائل لاستخدامها خلال فترة انقطاع التيار الكهربائي كالهوايات الصينية التي تعمل على البطاريات، والإنارة أيضاً الخفيفة المستخدمة في كثير من المنازل، ولكن ليس بمقدور الفلسطينيين في هذه المرحلة الحرجة بالذات تحمل شراء طعام أطفالهم، فكيف سيشترون معدات الطاقة البديلة؟. معاناة أكبر ويقول زريد:«حياتنا أصبحت جحيماً، فمجرد وصول الكهرباء حتى بعد منتصف الليل، تبدأ حياتنا من جديد لأربع ساعات فقط، بتشغيل الأجهزة الكهربائية وغسل الملابس وتنظيف البيت، وتشغيل المعدات التي تعمل على الكهرباء لاستمرار حياتنا». ووصلت قضية الكهرباء في غزة إلى أسوأ حالاتها على مدار 11 عاماً تحكم فيها حركة حماس القطاع حيث إنه في أحسن الحالات يتم تزويد السكان بالكهرباء أربع ساعات فقط بعد 12 ساعة قطع. ولا يبدو معاناة أطفال زريد هي الوحيدة، فثمة معاناة أكبر وأعمق، خاصة للمرضى، ممن يعتبر التيار الكهربائي وسيلة للتخفيف من مرضهم، وأحياناً إبقائهم على قيد الحياة، فمنهم يعيشون على أجهزة توليد الأكسجين، وآخرون يحتاجون للكهرباء لإجراء تبخيرة، تساعدهم على التنفس، والبعض بلغ به المرض مبلغه، ولا يمكن له البقاء دون وسيلة تبريد. وهنا يقول وائل مغاري وهو مريض فشل كلوي، إن إدارة المستشفى اضطرت لإيقاف عمل المكيفات عليهم أثناء غسيل الكلى في الأجواء الحارة جداً، نتيجة أزمة الكهرباء المفروضة على قطاع غزة، مما أدى لسوء حالتهم، وهم يعيشون في الأساس بين الحياة والموت، نتيجة الظروف الصحية التي تلازمهم نتيجة غسيل الكلى. ويتابع مغاري:«حياتنا أصبحت جحيماً، فخلال فترة الغسيل داخل المستشفى تنقطع الكهرباء عن الأجهزة فجأة وتعود بعد دقائق، وتتوقف الماكينة عن عملها، وهنا يتجه الأطباء نتيجة تجلط الدم بعض الأوقات لتغيير الأنابيب الواصلة للأوردة، وهذا يفقدنا جزءاً من الدم، مما يضطرنا كل فترة لطلب وحدات دم لتحسين ظروفنا الصحية وقدرتنا على الحياة». وانعكست أزمة الكهرباء على القطاع الصحي ككل، حيث حذرت وزارة الصحة من توقف عمل العديد من الأقسام الهامة قبل شهر، وتدخلت حينها المؤسسات الإغاثية بمنحهم وقوداً مؤقتاً، ولكن الأزمة ستستمر بعد انتهاء المنحة، وستتوقف العديد من الأقسام الهامة في المستشفيات. وزادت أزمة الكهرباء من معاناة أصحاب المصانع بغزة، وتوقفت مئات المصانع وأغلقت أبوابها وسرحت عمالها، بعد بلوغ أزمة الكهرباء ذروتها بدون حل في الأفق، وسجلت خسائر فادحة. بارقة أمل وتمنع إسرائيل دخول مولدات كبيرة وجديدة لغزة منذ فترة طويلة، وأصيبت أغلب المولدات القديمة في القطاع بأضرار نتيجة استهلاكها لأوقات طويلة من العمل، مما اضطر عدد قليل من الفلسطينيين والتجار للجوء للطاقة الشمسية، لكن ذلك لم يحل الأزمة.
مشاركة :