تبخر الاحتياطيات المالية يكبل آفاق الاقتصاد التونسيتصاعدت التحذيرات من انحدار الاقتصاد التونسي إلى الركود بسبب تباطؤ معدلات النموّ وتفاقم الديون وتزايد الضغوط على التوازنات المالية في الفترة المقبلة. وأكدت خطورة استنزاف الاحتياطيات المالية على قدرة الحكومة على إصلاح الاقتصاد المتعثر.العرب رياض بوعزة [نُشر في 2017/08/02، العدد: 10710، ص(10)]خطوات بطيئة لتحريك عجلة الاقتصاد حذّر خبراء اقتصاد تونسيون في تصريحات لـ“العرب” من خطورة الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها التوازنات المالية في تونس، وحذروا من تداعيات خروج الإنفاق عن سيطرة الحكومة ولجوئها المتزايد إلى الاقتراض الداخلي والخارجي. وفي ظل القلق السائد والحقائق الصادمة، فإن التعاطي الرسمي مع الوضع المالي للبلاد يبدو مرتبكا خاصة من المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي حول احتمال بلوغ الدولة حافة الإفلاس. ويقول الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن وضع البلاد الاقتصادي آخذ في التدهور، على عكس ما تروّج له الحكومة، وقد وصل إلى مرحلة خطيرة فاقت الأزمة التي مرت بها البلاد في عام 1986. وأوضح أن السياسات الخاطئة وسوء التصرف المالي، إلى جانب عوامل أخرى تسببت في الوصول لمرحلة الغرق في الديون، والمخيف، بحسب رأيه، أنه لا وجود لأي استراتيجية لإنقاذ الموقف. وتزايدت الضغوط على الحكومة لسد العجز المتفاقم في الميزانية في ظل توقف شبه كامل لمعظم محركات النمو، رغم الخطوات التي اتخذتها منذ بداية العام الجاري لتعبئة المزيد من الموارد المالية. وزاد من الأزمة تدهور قيمة الدينار حيث تراجع لمستوى غير مسبوق ينذر بتأزم الوضع أكثر، في حال عجزت الحكومة عن توفير الأموال الضرورية لتسيير شؤون الدولة.عزالدين سعيدان: الوضع الاقتصادي في تونس آخذ في التدهور على عكس ما تروج له الحكومة وأقر وزير المالية بالإنابة، محمد الفاضل عبدالكافي، الاثنين الماضي، بوجود ضغوط كبيرة على المالية العامة، لكنه بدّد المخاوف بشأن إمكانية تعطل صرف الرواتب في القطاع العام. ويأتي تصريح عبدالكافي، الذي يشغل أيضا منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، بعد أيام من جلسة عامة عاصفة في البرلمان أشار فيها إلى صعوبات مالية تعاني منها خزينة الدولة لدرجة تدفع إلى التفكير في الاقتراض لسداد الرواتب. وكان عبدالكافي قد أكد خلال جلسة في البرلمان الأسبوع الماضي، صادقت على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية قرض مبرمة مع الاتحاد الأوروبي بقيمة نصف مليار يورو، أن “السيولة المالية أصبحت تتقلص أحيانا لمستوى لا يتيح دفع رواتب الموظفين”. وقال حينها إن “القرض الأوروبي سيمكّن الدولة من دفع رواتب شهري أغسطس وسبتمبر القادمين”، مشيرا إلى أن كتلة الأجور بلغت 6 مليارات دولار وهي مرشحة للارتفاع بعد أن كانت في حدود 2.7 مليار دولار. ومن الواضح أن توقعات وزيرة المالية السابقة لمياء الزريبي بشأن استمرار تدهور الدينار، كانت صائبة، لتفتح باب التحذيرات على مصراعيه من النتائج السلبية على أسعار شريحة واسعة من السلع الاستهلاكية خاصة المستوردة منها بالعملات الصعبة. وقال مصرفيون لـ“العرب” إن الدينار كأي عملة من العملات الأخرى يعتبر المحرار الذي تقاس به صحة الاقتصاد، وبالتالي فإن تدهور قيمته هو مرآة وضع البلاد الاقتصادي المتأزم نتيجة اختلال التوازنات وتراجع المؤشرات على جميع الأصعدة. ووصلت قيمة الدينار إلى أدنى مستوى لها مقابل العملات الأجنبية منذ سنوات، فقد تراجعت إلى نحو 2.83 دينار أمام اليورو وإلى 2.41 دينار أمام الدولار نهاية الأسبوع الماضي، ما دفع البعض إلى مطالبة البنك المركزي بتدخل عاجل لإنقاذ الوضع.مراد الحطاب: تونس قد تعجز عن تسيير شؤونها في حال تزايد الطلب على العملة الصعبة وأكد مراد الحطاب، العضو بمركز الاستشراف والدراسات التنموية في تونس، أنه في حال زيادة الطلب على العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، فإن البلاد ستعجز عن تلبية ذلك نظرا لتقلص الاحتياطي من العملة الأجنبية. ووفق بيانات المركزي التونسي، بلغ الاحتياطي من العملة الصعبة حوالي 5 مليارات دولار في النصف الأول من هذا العام، وهو أقل بكثير عن مستوياته في 2010، حينما كانت تبلغ نحو 13.5 مليار دولار. وتعاني تونس من صعوبات رغم عودة عدة قطاعات للتعافي مثل السياحة والفوسفات الاستراتيجيين، وتفاقمت الأزمة بعد لجوئها للاقتراض الخارجي لتغطية العجز. ويتوقع محللون أن يصل عجز الموازنة إلى 5.9 بالمئة مقارنة مع توقعات سابقة بنحو 5.4 بالمئة، بسبب ارتفاع قيمة واردات الطاقة وهبوط قيمة الدينار. وتظهر أحدث بيانات البنك المركزي أن العجز التجاري اتسع في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري ليبلغ 6.5 مليار دينار (2.63 مليار دولار)، بمقارنة سنوية، أي ما يمثل 5.1 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وتضع الحكومة ضمن خططها الإصلاحية الملحّة تخفيض عدد موظفي القطاع العام بعرض التسريح الاختياري مقابل مزايا اقتصادية وإصلاح الصناديق الاجتماعية والإدارة والحد من البيروقراطية وإصلاح القطاع المصرفي. وتقول الحكومة إنها ستلتزم ببرنامج إصلاح لغاية 2020 يتضمن التخفيض من الديون إلى 60 بالمئة والحدّ من عجز الموازنة ليبلغ 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتقليص النفقات وتوجيه الدعم لمستحقيه ومكافحة التهرب الضريبي والفساد. وتوقّع عبدالكافي أن تبلغ نسبة النمو لهذا العام 2.5 بالمئة، في ظل البعض من المؤشرات التي توحي بتعافي الأنشطة الاقتصادية.
مشاركة :