لا يمكن لأحد أن يخدر شخصا بالكلمات فقط.. ولا يمكن لمن لا يريد أن يستسلم للتنويم الإيحائي أن ينام ويقوم بتنفيذ تعليمات الآخر غير المنطقية دون رغبة حقيقية منه.العرب ريم قيس كبّة [نُشر في 2017/08/02، العدد: 10710، ص(21)] حجر لامع صغير مربوط بسلسلة معدنية لامعة يحركها يمينا ويسارا ساحر شرير تتلامع عيناه شررا وهو ينظر في عينيّ “البطل” البريء طيب القلب طالبا منه أن يركز في الحجر المتحرك فينام وهو مفتوح العينين.. ونسمع الأرقام وهي تتلى عليه تنازليا: “10.. 9.. 8.. 7.. 6…” حتى نرى البطل المخدَّرُ بعد دقائق قليلة وهو يقوم بتنفيذ المخططات الشريرة للساحر دون أن يعترض أو أن ينبس ببنت شفة.. وكأنه روبوت يتحرك بريموت كونترول تدوس أزراره بإتقان أصابع الساحر.. لينفذ المسكين أبشع الجرائم من قتل واغتصاب وسرقة وربما حتى إرهاب! كم تكرر هذا المشهد النمطي في الروايات البوليسية وفي السينما.. وكم رسخ أفكارا مغلوطة صدقها الكثيرون عن التنويم الإيحائي.. أو ما دُرج على تسميته بالتنويم المغناطيسي.. على الرغم من أنها برمتها أفكار عارية عن الصحة ولا تمت للواقع بصلة. وعلى الرغم من أن الكثيرين قاموا بإستثمار فكرة التنويم الإيحائي في العروض الفنية الترفيهية المصاحبة للألعاب السحرية التي تعتمد على خفة اليد والسرعة والمهارة في اتقان الخدع البصرية.. إلا أنها بدورها لا تمت للواقع بصلة.. فالتنويم المغناطيسي هو حالة من الإدراك الشعوري التي يمكن تبسيطها بوصفها الوقوف عند الحد الفاصل ما بين النوم واليقظة.. ويصف بعض العلماء ما يحدث إبان عملية التنويم الإيحائي بأنه الوصول إلى حالة ذهنية أو إغفاءة سطحية تضع العقل عند مستوى من الإدراك المختلف عنه في حالة الوعي الكامل.. بينما يصفه البعض الآخر بأنه لا يزيد عن كونه نوعا من أنواع التخيّل. فهي حالة من التركيز الذهني التي تجعل المرء على أعتاب الحلم فيعمد إلى أن يرسم أحلامه بنفسه و بتوجيه من آخر يختاره بمحض إرادته لتحقيق شيء ما أو تجاوز حالة سلبية ما أو للعلاج أو سوى ذلك. وتوصف أيضا بأنها حالة من الاسترخاء التي لا تختلف كثيرا عن تمارين اليوغا والتأمل.. بل ويكاد الفرق بينهما ألا يكون محسوسا.. فالغاية المنشودة في الحالتين واحدة وهي محاولة تلقين أو إعادة برمجة العقل الباطن من أجل الوصول بالأفكار إلى هدف بعينه. فهي إذا ليست تخديرا أو غسلا للدماغ كما هو شائع من أفكار مغلوطة روّجت لها السينما والروايات.. لأنه في الواقع لا يمكن لأحد أن يخدر شخصا بالكلمات فقط.. ولا يمكن لمن لا يريد أن يستسلم للتنويم الايحائي أن ينام ويقوم بتنفيذ تعليمات الآخر غير المنطقية دون رغبة حقيقية منه.. وقد أثبتت التجارب العملية أن التنويم الإيحائي نجح في أن يكون علاجا حقيقيا وناجعا للكثير من الأزمات النفسية والجسدية.. من بينها على سبيل المثال لا الحصر: علاج الإدمان على الكحول والمخدرات.. المساعدة في الإقلاع عن التدخين.. علاج الصداع.. علاج الأرق.. تنشيط الذاكرة والتركيز.. الاسترخاء.. التخلص من الغضب.. التخلص من التوتر والقلق.. تطوير القدرات الرياضية.. زيادة الثقة بالنفس.. تقبل الصدمات وتجاوز الفقد.. تنشيط الجهاز المناعي.. تكريس الدأب والمثابرة.. إثراء القدرات الذاتية والمواهب.. وإلى آخره الكثير. واليوم.. وبفضل ثورة التكنولوجيا صار بإمكان أيّ منا أن يفتح اليوتيوب ويبحث عما يشاء من تنويم إيحائي بكل اللغات.. وبشيء من التدريب يستطيع أن ينال غايته الإيجابية المنشودة.. دون حاجة إلى حجر لامع وسلسلة وساحر! شاعرة عراقيةريم قيس كبّة
مشاركة :